الجمعة، 23 مارس 2018

التحذير من غيبة العلماء والأمراء وبيان أقسام العلماء - بن عثيمين رحمه الله


التحذير من ( غيبة ) العلماء والأمراء ، وبيان ( أقسام ) العلماء

 
التفريغ لمحتوى المقطع
كذلك أيضاً قد نسمع عن بعض العلماء أخطاءً وليس أحدٌ معصوم من الخطأ ، فهل نأخذ بما سمعنا دون تثبت ؟
لا . لا بد للإنسان أن يتثبت ؛ لأن هذا الناقل قد يكون فهم كلام العالم خطأً ، وقد يكون سأل عن شيء ليس هو الذي يريد ؛ فأخطأ في التعبير
فأجاب العالم على حسب ما سمع ، والعالم إنما يجيب على حسب ما يسمع ؛ لأنه لا يعلم ما في القلوب
ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : ( إنما أقضي بنحو ما أسمع ) .
هذا وهو الرسول - عليه الصلاة والسلام - :
( فمن اقتطعت له من حق أخيه شيئًا بغير حق ؛ فإنما أقتطع له جمرة من النار ؛ فليستقل أو يستكثر ) .

وإذا ثبت عن العالم ما نقل عنه ؛ فهل نطيل ألسنتنا بسب هذا العالم ؟
لا . لا نفعل ؛ لأن هذا لا يجدي من الحق شيئًا ، وربما تأخذ العالم العزة بالإثم ؛ فيزداد في ما هو عليه من الخطأ .
إذًا العلاج أن نذهب إليه - إلى هذا العالم - بأدب وبأسلوب رفيع ، ونقول : بلغنا عنك كذا وكذا ؛ فما وجهه ؟
نرجو أن تبين لنا وجه ذلك ؛ لأنك عندنا في منزلة عالية لعلمك وفضلك ، فأخبرنا ، إذا أخبر بوجهة ما قال وكانت الوجهة حقًا
فالواجب علينا أن نقبل ما قال وأن ندافع عنه في المجالس ، ونقول : إنما قال : كذا لكذا وكذا ، فننقذ سمعة الرجل ونبين الحق .

واعلموا - يا إخواننا - أن غيبة العلماء ليست كغيبة عامة الناس ؛ لأن غيبة العالم لا شك أنها تؤثر عليه ، لكن تؤثر على شيء أهم
وهو ما يحمله من العلم من علم الشريعة ؛ لأن الناس إذا لم يثقوا بالعالم لم يقبلوا قوله حتى لو قال الصواب
فتكون أنت إذا اغتبت العالم جنيت على العالم وعلى الشريعة ؛ لأن الناس لا يثقون بقوله بعد هذا .

كذلك الأمراء وولاة الأمور ، ليست غيبتهم كغيبة غيرهم ، وليست غيبة غيرهم كغيبتهم
لأنك إذا اغتبت ولاة الأمور أو نشرت معايبهم بين الناس كرههم الناس
وصاروا إذا أمروا بالحق قال الناس : هذا باطل ، وتمردوا عليهم ، وماذا يحصل للأمة إذا تمردت على أمرائها ؟
تحصل الفوضى ، وربما يصل الأمر إلى أن تسيل الدماء ، ولا يخفى علينا جميعًا ما وقع في بعض البلاد العربية بناءًا على هذا
والواجب علينا إذا سمعنا وتأكدنا عن الأمراء ما لا ينبغي أن نناصحهم ، أن نبذل لهم النصيحة ، كما قال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - :
( الدين النصيحة ، الدين النصيحة ، الدين النصيحة ، قالوا : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم ) .

هؤلاء خمسة :
أولاً : النصح لله عز وجل بأن تخلص له الدين ، ولا تريد بالعبادة ما سوى الله عز وجل ، لا تريد أن يمدحك الناس
فإن مدح الناس لا ينفعك ولا يضرك ، لا ينفعك إلا ما كتب الله لك .
ثانيًا : النصيحة لكتاب الله وهو القرآن : أن تصدق بأخباره ، وأن تمتثل أوامره ، وأن تجتنب نواهيه ، وأن تذود عنه تحريف المبطلين وغلو الغالين
القرآن كلام الله عز وجل ؛ وهو أمانة بين أيدينا يجب علينا أن نذب عنه وأن ندافع عنه .
ثالثًا : النصيحة للرسول : بالإيمان بأنه رسول الله حقًا ، وأن نصدق خبره ، وأن نمتثل أمره
وأن نجتنب نهيه - صلوات الله وسلامه عليه - ، فهو الإمام وهو القدوة والأسوة .
رابعًا : لأئمة المسلمين . وأئمة المسلمين هم الذين يقتدي بهم المسلمون إما بالتشريع وإما بالتنفيذ ، وهم العلماء والأمراء .

العلماء : أئمة يدعون الناس إلى كتاب الله عز وجل ، هم المقدمون في هذا ، والأمراء أئمة ، ولهذا من له السلطة العليا يسمى الإمام
فهم الأئمة ينفذون شريعة الله ، وحينئذٍ يكون من الإمام الأول في الأئمة هم العلماء ؛ لأن الأمراء يجب عليهم أن يتبعوا الحق الذي قاله العلماء .
إذًا ؛ فالحقيقة أن الإمامة بيد العلماء ، والمراد بالعلماء : العلماء الربانيون الذين هم العلماء حقيقة ؛ لأنك إذا تدبرت أحوال العلماء وجدت أنهم ثلاثة أقسام :
الأول : عالم ملة .
الثاني : عالم دولة .
الثالث : عالم أمة .
الأول : عالم ملة : وهو الذي ينشر الملة ويبينها للناس ويعمل بها ، ولا تأخذه في الله لومة لائم ، هو يريد إقامة الملة لا غير ، حتى إنه ليفتي أباه فيقول :
يا أبت ! هذا حرام ، يا أبت ! هذا واجب ، ويفتي السلطان ويقول : هذا حرام وهذا حلال ، لكن بالحكمة .
الثاني : عالم دولة : ينظر ما تشتهيه الدولة فيحكم به ويفتي به حتى لو خالف نص الكتاب والسنة ، وإذا خالف نص الكتاب والسنة شرع في تحريفه
وقال :المراد بكذا كذا وكذا ، فحرف الكتاب والسنة لإرضاء الدولة .
الثالث : عالم أمة : ينظر ماذا يريد الناس العامة فيفتيهم بما يستريحون إليه ، حتى ولو كان على حساب نصوص الكتاب والسنة
ولذلك تجده يتتبع الرخص لإرضاء العامة ، ويقول : هذه مسألة خلافية والأمر واسع .
سبحان الله ! الأمر واسع ؛ والله يقول عز وجل : فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً . سورة النساء ، ( الآية : 59 ) .
كيف تقول : هذه فيها خلاف وأمرها واسع ؟!
والله إن الأمر ضيق ، وإذا وجد الخلاف يجب أن يحقق الإنسان في المسألة أكثر وأكثر حتى يتبين له الصواب ، أما كونه يسترخي ويقول :
هذه مسألة خلافية ، والأمر واسع ، وباب الاجتهاد مفتوح ، وما أشبه ذلك ، فهذا خطأ
الواجب أن يتبع الإنسان ما دل عليه الكتاب والسنة سواءٌ أرضى الأمة أم أسخطها .
والله عز وجل يقول : وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمْ الْمُرْسَلِينَ . سورة القصص ، ( الآية : 65 ) .
ما قال : ماذا أجبتم العامة ؟ ماذا أجبتم الدولة ؟ مَاذَا أَجَبْتُمْ الْمُرْسَلِينَ .
فليتق الله العالم إذا نوقش في مسألة قال فيها بخطأ ليتق الله وليتبع الحق ، وليعلم أنه إذا تبع الحق بعدما تبين فإن ذلك والله رفعة له
وليس كما يخيله الشيطان أنه إضاعة له ، بعض الناس يقول : إذا رجعت إلى فلان وفلان في المناقشة يعني أنني مهزوم ومغلوب
ولكن الواقع أنه هازم نفسه غالب على نفسه الأمارة بالسوء ، ارجع إلى الحق أينما كان ، وخذه من أي مصدر
ألم تعلموا أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ؛ وهو أرجح الناس عقلاً وأصوبهم صوابًا :
أمر أن يستشير الناس ، فقال الله عز وجل : فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ . سورة آل عمران ، ( الآية : 159 ) .
وهو الرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ، ومعلوم أنه إذا شاور سوف يرجع إلى الرأي الصواب سواءٌ كان رأيه أو رأي غيره .
فعلى المسلم أن يتقي الله عز وجل ، وأن يتبع الحق أينما كان ، وأن يعلم أنه بتواضعه ورجوعه إلى الحق يزيده الله تبارك وتعالى رفعة وعزة في الدنيا والآخرة .
فضيلة العلامة محمد بن صالح العثيمين
مادة صوتية بعنوان : " سلسلة اللقاء الشهري 74 "

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق