الثلاثاء، 8 أكتوبر 2019

أو تزني الحرة!

أو تزني الحرة ؟!




بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وأزواجه الطاهرين وأصحابه الغر الميامين ومن اقتفى اثرهم إلى يوم الدين.
أما بعد: توقفت كثيرا عند قراءتي لهذه الجملة وهي عنوان المقال
" أو تزني الحرة؟! "

وإليكم أصل تلك الجملة ومصدرها؛  يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما قال لهند بنت عتبة: أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئا ولا تسرقي ولا تزني. قالت:
أو تزني الحرة ؟!

وفي تلخيص الحبيـر ، وفي بعضها قالت هند: أو تعلم في نساء قومك من هذه الهنات شيئا؟ 
رواه أبو يعلى وابن سعد وأبو نعيم وغيرهم من عدة طرق،  ذكرها ابن الملقن في البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير، وابن حجر في الإصابة. اهـ.
 ويسند ذلك ويؤكده قول الله تبارك وتعالى: 
{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ۙ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (12) }
سورة الممتحنة.
يقول ابن القيم رحمه الله تفسيراً لتساؤل وتعجب هند بنت عتبة :
البغاء إنما كان على عهدهم في الإماء دون الحرائر ولهذا قالت هند وقت البيعة:
أو تزني الحرة؟!
زاد المعاد.

آه يا هند بنت عتبة ماذا لو جيء بك في زماننا ؟!
ماذا كنت ستقولين ؟!
وما حالك لما سترين ؟! 
والذي يظهر أن سؤالك وتعجبك سيزول ؟!
لأنك سترين الجواب بأم عينك جهاراً نهارا ؟! 
والله المستعان.
جواب يندى له الجبين ويشيب له الجنين ويدمي قلوب الصالحين 
أهل الغيرة والعفة والحياء والدين كيف وصلت الحرة لهذا المستنقع وهذا المنحدر في زماننا ؟ 
بل المصيبة العظمى أنها تتفاخر وتجاهر لوصولها لهذا المستوى الذي لا يليق بها كحرة مسلمة أعزها الإسلام وصانها وكرمها ورفع شأنها!

وتعريف الزنا كما جاء في السنة المطهرة:
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ فَزِنَا العَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ المَنْطِقُ ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي ، وَالفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ)  
روى البخاري (6243) ، ومسلم (2657)

وهنا قال النووي رحمه الله شارحا ومبينا لمعنى الحديث
(معنى الحديث أن ابن آدم قدر عليه نصيب من الزنا ، فمنهم من يكون زناه حقيقيا بإدخال الفرج في الفرج الحرام ، ومنهم من يكون زناه مجازا بالنظر الحرام أو الاستماع إلى الزنا وما يتعلق بتحصيله ، أو بالمس باليد بأن يمس أجنبية بيده ، أو يقبلها ، أو بالمشي بالرجل إلى الزنا ، أو النظر ، أو اللمس ، أو الحديث الحرام مع أجنبية ، ونحو ذلك ، أو بالفكر بالقلب . فكل هذه أنواع من الزنا المجازي ، والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه . معناه أنه قد يحقق الزنا بالفرج ، وقد لا يحققه بألا يولج الفرج في الفرج ، وإن قارب ذلك . والله أعلم .)
شرح النووي على مسلم ج11 ص 156

لهذا لكي يعلم من يقرأ المقال أنني لا أقصد زنا الفرج فحسب، فهذا ربما يمنعه أسباب كثيرة لا داعي لذكرها، يعلمها من امتنع عنها لأحد تلك الأسباب ، بل القصد الزنا الذي ذكره النبي صلوات ربي عليه وهو المنتشر والمتفشي حاليا، والمجاهرة به أصبح من علامات التطور والحرية والأمور المسلمة بها، فإن أنت أنكرتها فأنت رجعي متخلف متشدد! ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر لباس النساء الضيق، البنطال والعباءة المخصرة والحجاب الغير شرعي الذي يظهر شي من الشعر، وتقصير العباءة، والصوت العالي، والتبرج، والتعطر للأسواق ولغير المحارم، ومتابعة مشاهير السوشل ميديا من الرجال واشباه الرجال، والمعاكسات، ولين الكلام مع الرجال والتغنج لهم، وغيرها مما نستحي الخوض فيه أو نذكره لكم.

ما الخلل ؟ 
وما هو الحل ؟ 

أول أسباب الخلل : الجهل والبعد عن الدين والعقيدة:
 وهذا ظاهر في مجتمعاتنا التي تتسم بالحضارة والتطور والعلم في كل شيء إلا العقيدة!
فلو سألت إحداهن عن أحكام الطهارة أو أركان الصلاة لفتحت الفاه بـ هاه هـاه لا أعلم!
ولو سألتها عن الماركات وأصحاب السوشل ميديا لوجدت الجواب قبل أن تنهي سؤالك!!

والحــل
هو تعلم العلم الشرعي، ولا نقول تثني الركب، ولكن تتعلم العلم الشرعي الذي يقويها على التصدي للفتن، ويفقهها في دينها ولتعلم الحرام والحلال وطرق اجتناب الفتن وهذا من شأنه أن يردعها من اتباع طرق الشيطان، وذلك علما منها ووعي بعواقب مسلك تلك الطرق الشيطانية، فيتكون لديها جدار حماية عقدي شرعي تحتمي به ويحميها بإذن الله.

الثاني الحياء:
وما أدراك ما الحياء سلعة نادرة لم نكد نراها أو نسمعها إلا قليل ونخاف أن يأتي يوم وتصبح اسطورة ،فنساء اليوم ورجالهم على حد سواء وإن كان النساء أعظم في ذلك، قل حيائهن أو انعدم وجوده في قلوبهن وفي أقوالهن وأفعالهن، لا يستحين من اللباس الفاضح الذي أصبحن يتفنن في التفسخ والعري والتخصر حتى ظهرت محاسنهن وسوءتهن، وهذا الفعل ليس وليد هذا العصر بل هو فتنة يقذفها الشيطان في قلوب ضعاف الايمان، فيزين الباطل في أعينهم وينزع عنهم لباس التقوى قبل لباس الخام، قال تعالى:
} يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ}الأعراف 
وانظر لأول معصية قام بها سيدنا آدم وزوجه ذاقا من الشجرة وأنظر لأول عقوبة لهما هو انكشاف سوآتهما، قال تعالى:
}فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يخصفان عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ{  الأعراف/ 22.
*يخصفان* أي يرقعان كهيئة الثوب استحياءاً مما كان من انكشاف سوءتهم

ومن صور انعدام الحياء، الأقوال غير اللائقة وارتفاع الصوت ومناطحة الرجال ومزاحمتهم والتشبه بهم ومغازلتهم والتغنج لهم وأمور أخرى، بذائة وخلاعة ومياعة وجرؤه يعف اللسان عن ذكرها.

والحــل
قال صلوات ربي عليه "الحياء شعبة من الإيمان" صحيح البخاري ومسلم.
وأعلى مراتب الحياء هو الحياء من الله وأدناه الحياء من نفسك وربما الحياء من النفس يكون جبلة مع المرء وهذه نعمة يشكر الله عليها ولكنها لا تكفي وتحتاج تعزيز وتدريب ومجاهدة النفس حتى تصل إلى تقوى الله وإلى أعلى مراتب الحياء وهو الحياء من الله قال يحيى بن معاذ  من استحيا من الله مطيعاً استحيا الله منه وهو مذنب .
مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين الجزء2 صفحة 249.

وقد قيــل:
وإذا خـلـوت بــريبــة فـي ظلمـــة *** والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحيي من نظر الإله وقل لها *** إن الذي خلق الظلام يـراني

الثالث الأســرة:
دور الأم والأب والأخ والزوج وهم القدوة، وللأسف ما نشاهده أنهم قدوة في غفوة، وهذا ربما أفضلهم حالا، وهناك من وصل لمرحة البهيمة لا غيرة ولا شيمة، تجد أحدهم يسير بجانب ابنته أو أخته أو زوجته وهي متبرجة، متعطرة، كاسية عارية ولا يحرك ساكن إلا بالتضاحك والتبسم والانقياد خلفها أو بجانبها، الغيرة تحتضر والخجل في غيبوبة والرجولة مظهر شكلي، منظر يدمي القلب بحق، يجعلك تتسأل ما بال هؤلاء القوم ماتت فيهم الرجولة والقوامة والشيمة والغيرة العربية والإسلامية؟!

والحــل
هو بمعرفة جواب السؤال السابق، فعندما تكون القدوة منتهجة أو مقلدة أو مؤيدة للمعتقدات الباطلة والأفكار الهدامة كالعلمانية والليبرالية والحرية المزيفة المنحلة والعولمة الخبيثة فلا غرابة في شذوذها لأنها ابتعدت عما يجعلها قدوة حسنة يقتدى بها ولا عزاء لمن هم تحت كنفها .

اذا كان رب البيت بالدف ضاربا *** فشيمة أهل البيت كلهم الرقص

فأول علاجها العقيدة ومن ثم تنمية حس الرقابة والمسؤولية والغيرة على محارمه لأنه مسؤول عنهم أمام الله، ويزرع فيهم هذا الحس ويستشعرون ذلك من خلال تعامله معهم
قال صلوات ربي عليه
" أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِه" 
متفق عليه
فالقدوة يجب أن يكون قدوة في نفسه مرآة لغيره ممن يقتدي به حتى يطاع لو أمر أو نهى أو رَغْبَ أو رَهْبَ في أي شيءٍ من حالهم وسلوكهم وجميع شؤونهم فلا يُعْصى ولا يُزْجَر ولا يُعَيَّر ولا يساوم ولا يقارن بأحد لأنه فرض شخصيته وأسلوبه وقوامته ومنهجه.

الرابع أصدقاء السوء:
ولا أظن ذلك يخفى على أحد تأثير هذه الرفقة فهي سبب رئيسي لتزيين الباطل وتحسينه في عيون من وقع في شباكهم، وما نشاهده اليوم أن السوء عم وطم واستشرى وله محافل وقنوات تنبري لتعزيزه!

والحــل
ينبع من السبب الأول العقيدة والثاني استنهاض الحياء والتقوى وتعزيزهما والثالث القدوة الحسنة وحس المسؤولية التي مرجعها الأول الأسرة وكل من هذه الثلاث مكمل للأخر فإن كانت كذلك فأعلم أن الحرة مصانة بعقيدتها وحيائها ومراقبة لنفسها وعزتها وشيمة أهلها وكرامتهم ولا تصاحب إلا من هم على شاكلتها ومنهجها؛ وعند ذلك كل حرة مسلمة مصانة عندما يذكر الزنا تقول بتعجبٍ :  
أو تزني الحرة!

ونختم بصاحبة عنوان المقال هند بن عتبة رضي الله عنها حيث يروى عن عمر الفاروق رضي الله عنه قوله:" لو كانت قلوب نساء العرب على قلب هند ما زنت منهن امرأة قط".
طرح التثريب في شرح التقريب - ج 7

إن أصبت فتوفيق من الله وفضل وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان
حرر في يوم الجمعة 5 صفر 1441 والموافق 4 اكتوبر 2019
أخوكم في الله / الشامخ


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق