الجمعة، 23 مارس 2018

جناية بدعة الحاكمية على الأمّة الإسلاميّة

جناية بدعة الحاكمية على الأمّة الإسلاميّة
   
الحمد لله الذي حكم فعدل, وأعطى فأجزل, وأنزل لعباده كتاب إليه يحتكمون, وبآيه يحكمون, فالحكم حكمه أولاً وآخر, والعباد بأمره يأتمرون, وبعد:
فإن مسألة الحاكمية من القضايا الدعوية الواقعية، وهي مسألة خطيرة أثيرت حولها الجدل، وساهمت في التوجيه الفكري والسياسي لطوائف عديدة تنتمي إلى الجماعات الإسلامية.
ويعود ذلك إلى جهل كثير من الناس بمسألة الحكم بغير ما أنزل الله والتفصيل فيها، حيث صاروا يتكلمون في المسألة على عمومها
فأخذوا يكفرون المجتمعات الإسلامية ولم يستثنوا إلا من حارب المجتمع أو أعلن مفاصلته، وهذا لا شك انحراف في المنهج، وغلو في المسلك.
لقد غلت بعض الجماعات الإسلامية -حاملة لواء التكفير والتفجير- وانحرفت عن منهج السلف رحمهم الله
فجعلت لأقسام التوحيد الثلاثة قسيماً رابعاً([1]) سمّته ظلماً وجهلاً توحيد الحاكمية, وعقدت عليه ألوية الولاء والبراء, والحبّ والعداء, بل الكفر والإسلام.
فمدار منهج هذه الجماعة تقرير هذا القسيم الرابع, ألا وهو توحيد الحاكمية, بينما همِّشت أقسام التوحيد الثلاثة, واختزلت التوحيد في توحيد الحاكمية فقط
بحيث لا تكاد تسمع لأقسام التوحيد الأخرى ذكراً .
- ومرادهم بالحاكمية:ضرورة ردّ كافة الأحكام والتشريعات إلى حاكمية الشرع -وتلك في عمومها حق- إلاّ أن المقصود الذي ترادف مع هذا المصطلح منذ شيوعه على أيدي
منظّري هذه الجماعة هو: المناداة بالحاكمية بمعناها السياسي الذي هو حكم الدولة ، وبالتالي حكموا بكفر كل من لم يطبق تلك الحاكمية في الشأن السياسي أو لم يؤمن بضرورة تحكيمها
بغضَّ النظر عن ضوابط التكفير وشروطه.
- واستصحب هذا الاعتقاد -حول الحاكمية, والدعوة إليها- جملة من المخالفات الشرعية, يمكن إيجازها في ما يلي:
1- تفسير كلمة التوحيد تفسيراً مبتدعاً, واختزال التوحيد في توحيد الحاكمية فقط.
يقول أحد منظري هذه الجماعة:"لو شبّهنا هذا الدين بقطعة معدنية لكان الوجه الأول مكتوب عليه (لا إله إلا الله)، والوجه الآخر مكتوب عليه (التحاكم إلى شرع الله)
فهما وجهان لعملة واحدة لا ينفصلان ولا يفترقان.
فـ (لا إله إلا الله) تعني الحكم بما أنزل الله، وعدم الحكم بما أنزل الله نفي الألوهية في حياة الناس، وانتزاع حق الله عز وجل في تنظيم حياة البشر
وادعاء بعض البشر الربوبية على البشر"([2]).
2- التهوين من قضايا الشرك في العبادة, وقضايا الانحراف في العقائد بكل أنواعه, اللهم إلاّ ما تعلّق بالحاكمية فقط.
ويقول آخر: "ولذلك يجب التركيز على شرك الأحياء أكثر من التركيز على شرك الأموات!!.إن الأمة مبتلاة بشرك الأحياء، أولئك الحكام الذين يعبِّدون الناس لأنفسهم"([3]).
ولما كان هذا الأمر أمراً كُبّراً, وآثاره على الأمة آثار منكرة, أحببت أن أميط اللثام, وأوجه السهام, إلى فلول دعاة الحاكمية, حتى يستبين السبيل, ويقوم الدليل
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل. وقد قسّمت البحث إلى ستة مطالب, وهي:
المطلب الأوّل: مفهوم الحاكمية.
المطلب الثاني: نشأة مفهوم الحاكمية.
المطلب الثالث: وجوب التحاكم إلى الشرع.
المطلب الرابع: أسباب دعوى الحاكمية ودوافعها.
المطلب الخامس: طرق انعقاد الإمامة.
المطلب السادس: آثار الحاكمية السيئة على مسار الدعوة.

المطلب الأوّل:مفهوم الحاكمية.
- الحاكمية في اللغة :
الحاكمية: على وزن فاعليّة, وهذا الوزن من المصادر الصناعية([4]) المولدة المقيسة على كلام العرب، ويستخدم للدلالة على اختصاص الأحكام والصفات المتعلقة بذلك اللفظ .
وعليه فإن الحاكمية مصدر متعلق بالمسائل الخاصة بلفظ " الحُكم ".
ولتجلية المعنى اللغوي للحاكمية فإنه يجدر الوقوف على معنى الحُكم في المعطيات اللغوية. وبالنظر إلى المعاجم اللغوية ([5]) يتبين أن لفظة الحُكم تزخر بدلالات لغوية عديدة، منها :
1- القضاء . يقال: حكم بينهم أي قضى. ومنه قوله تعالى: {َإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}([6]).
2-العلم والفقه . و منه قوله تعالى : {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً}([7]) أي علماً وفقهاً.
3-المنع. تقول العرب: حكَمت وأحكمت وحكَّمت بمعنى منعت.
وهذا يعني أن من معاني الحكم : القضاء، والعلم، والمنع، وكل هذه المعاني له صلة بمفهوم الحاكمية في الاصطلاح كما سيأتي
- مفهوم الحاكمية ومضمونها :
تعددت الآراء الفكرية في التعامل مع مفهوم الحاكمية؛ مما أثار الكثير من الجدل، وساهم في التوجيه الفكري لطوائف وجماعات معاصرة
وبخاصة الجماعات التكفيرية التي سعت إلى تحقيق أهدافها من خلال رؤيتها السياسية حول الحاكمية
والسبب -في ظني- يعود إلى عدم تأصيل مصطلح الحاكمية، وزحزحته من مدلولاته الشرعية, ومن ثَمّ إقحامه في الميادين السياسية، وإعطاؤه أبعادا ومفاهيم خارجا عن المفهوم الصحيح له .
ووصولاً إلى المفهوم الصحيح لابد أن تُرجع الكلمة إلى اشتقاقها اللغوي، فالحاكمية مصدر صناعي -كما سبق بيانه- مشتق من فعل " حَكَم " ومصدره الحُكْم.
والحكم في المفهوم الاصطلاحي : عبارة عن خطاب الشرع، وله تعلق بالحاكم، وهو الله , وبالمحكوم عليه، وهو المكلف, وبالمحكوم فيه وهو فعل المكلف([8]) .
وقد تبين لي بعد التأمل في معنى الحكم اللغوي والاصطلاحي صعوبة تحديد مفهوم الحاكمية كمصطلح عام يجمع ما تفرق من معانيه
ولأجل ذلك فإنه يلزم في تحديد مفهومه النظر إلى جانبين:
الجانب الأول: باعتبار تعلقه بالحاكم وهو الله , وهذا الجانب له صلة بالمعنى اللغوي؛ فالمشرع للأحكام هو الله القاضي بالعدل
العليم بأحوال العباد وما يحتاجون من الأنظمة والقوانين التي ترتب أمورهم ؛ قال تعالى : {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ }([9])
وكذا في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم لأبي الحكم لما وفد إليه: "إن الله هو الحكَم، وإليه الحُكْم ... " ([10]) .
ولعل من المناسب هنا التنبيه على أن اجتهادات العلماء واستنباطاتهم لا تتعارض مع مسألة أن الله عز وجل هو المشرع للحكم
لأن العلماء باجتهاداتهم " لا يشرعون للأمة، بل يستنبطون للأمة حكم الله في هذه الوقائع، ويجتهدون في ذلك ملتزمين في اجتهادهم بالشرع وقواعده وحدوده وضوابطه ... " ([11]) .
وكذلك فإن القوانين التفصيلية المعاصرة لا تتنافى مع الشريعة في مقاصدها الكلية، ولا أحكامها الجزئية؛ لأنها قامت على جلب المنفعة, ودفع المضرة...
مثل قوانين المرور أو العمل أو الزراعة وغير ذلك .
الجانب الثاني: باعتبار تعلقه بالأفراد و الحكام وفعلهم وتطبيقهم لشرع الله عز وجل, وعلى ضوء هذا الاعتبار يقال في مفهوم الحاكمية:
" التحاكم إلى شرع الله والرضا والتسليم لهوتنفيذه – وهذا خاصة للوالي - على العباد على أرض الواقع"
قال تعالى : {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً}([12]) .
وعلى ضوء هذا الجانب يحسن بيان الفرق بين التسليم لحكم الله والتحاكم إليه، وبين إنفاذ حكمه على العباد
فتسليم الحكم والتحاكم إلى شريعة الله يكون بالرجوع إلى النصوص الشرعية للتعرف على حكمها ثم العمل بها والرضا بذلك، وأما إنفاذ الحكم فقضية أخرى
يرجع أمره إلى الحاكم الذي يجري الأحكام الشرعية على العباد؛ فمثلا حكم السرقة قطع اليد، فالاحتكام إلى شريعة الله عز وجل بالرضا والتسليم بهذا الحكم
وأما إنفاذ حكم الله تعالى في الذي سرق، وقَطْع يده فأمر راجع إلى الحاكم الشرعي ؛ فهو الذي ينفّذ حكم الله عز وجل في السارق .
وبالتأمل في هذا الجانب يتبين ارتباطه بالمعنى اللغوي كذلك؛ فالخليفة أو الأمير الذي يريد تطبيق حكم الله عز وجل على الناس يلزم عليه أن يُصدر الحكم عن علم وبصيرة
كما عليه أن يتصف بالعدل والإتقان حتى يقضي بالحق، ويمنع الناس عن الجور والظلم .
وليعلم أن هذين الجانبين لمفهوم الحاكمية لهما تعلق وصلة بأنواع التوحيد الثلاثة : فالجانب الأول يتعلق بتوحيد الربوبية والأسماء والصفات
وذلك بإثبات الحكم لله والإيمان بأنه الحاكم القاضي بالعدل, والجانب الثاني يدخل في توحيد الألوهية، وذلك بالاحتكام إلى شرع الله والتسليم له([13]) .
ومن هنا يظهر بجلاء خطأ من يركزون على توحيد الحاكمية في الدعوة, ويجعلونه قسيما رابعاً للتوحيد، أو يفسر معنى ( لا إله إلا الله ) بـ(لا حاكم إلا الله ) .
سئل الشيخ عبد الله الغنيمان عن إفراد توحيد الحاكمية بقسم مستقل ؟.
فأجاب حفظه الله: " توحيد الحاكمية ... داخل في توحيد العبادة بالنسبة للحاكم نفسه كشخص ... وداخل في توحيد الربوبية، لأن الحاكم هو الله تعالى .
فيجب أن يكون الرب المتصرف هو الذي له الحكم فهو يكون داخلاً في توحيد الربوبية من حيث الحكم والأمر والنهي والتصرف
أما من حيث التطبيق والعمل فالعبد مكلف باتباع حكم الله فهو من توحيد العبادة من هذه الجهة .
وجعله قسماً رابعاً ليس له وجه, لأنه داخل في الأقسام الثلاثة, والتقسيم بلا مقتضى يكون زيادة كلام لا داعي له " ([14])
وأما عن خطأ تفسير الشهادة واقتصارها بتوحيد الحاكمية فوضح الشيخ صالح الفوزان بقوله:
" فمعنى ( لا إله إلا الله ) أي : لا معبود بحق إلا الله ... ويدخل فيها تحكيم الشريعة ... أما تفسيرها بالحاكمية، فتفسير قاصر، لا يعطي معنى ( لا إله إلا الله ) " ([15]) .
ويجدر التنبيه هنا أن التعبير بـ" توحيد الحاكمية" لا محذور فيه ما لم يتضمن معنى فاسداً، فإذا تضمن ذلك؛ كان اللفظ صحيحاً, والقصد فاسداً سيئاً.
ويمكن القول بعد هذا التفصيل بأن المراد من الحاكمية هو التحاكم إلى شرع الله والرضا بذلك وتحكيمه وتنفيذ أحكامه على العباد
وهذا المصطلح في مدلوله العام صحيح، إلا أن بعض الجماعات التكفيرية على أيدي منظريها اتخذت من هذا المفهوم العام وحمّله بمعناه السياسي الذي يعني
"مقاطعة المجتمع بجميع صوره وهيئاته، والخضوع لحاكمية الله وحده؛ لأن المسلمين في عصرنا لا يدركون معاني شهادة أن لا إله إلا الله
وبالتالي لم يدخلوا بعد في الإسلام، فلم يخصوا الله بالولاء " ([16]), وعلى ضوء هذا الفهم أخذوا يكفرون من لم يحكم بما أنزل الله من الحُكام بدون ضوابط شرعية
ثم أنزلوا هذا الحكم على غيرهم ممن رضي بذلك, ونتيجة لهذا الحكم أخذوا ينادون بإقامة الدولة الإسلامية والخروج على الحكام والولاة .

المطلب الثاني: نشأة مفهوم الحاكمية
إن مسألة التحاكم إلى شريعة الله عز وجل مبثوثة حكمها في مؤلفات أهل العلم وأقوالهم، كما أنها مطبقة على صعيد الواقع يوم أن عاشت الأمة الإسلامية
وهي تحكّم شريعة الله عز وجل فترات طويلة إلى أن دبت القوانين الأوربية في الخلافة العثمانية عندما ضعفت، فزين لها الأعداء صلاحيتها، فأخذت بها
حتى صدر عام 1840م أول قانون مخالف للشريعة، "وهو قانون العقوبات العثماني الذي نقل الكثير عن القانون الجنائي الفرنسي...
ومن أهم ما استحدثه هذا القانون هو الأخذ بمبدأ ألاّ عقوبة إلا بنص، فخرج بذلك على ما جرى عليه الشرع الإسلامي باسم ( التعزير)"([17]) .
ولما تولى مصطفى أتاتورك حكومة الدولة العثمانية بمعاونةٍ من جمعية الترقي والاتحاد ألغى الخلافة الإسلامية، وذلك سنة 1924م وحوّلها إلى دولة علمانية لا تحكم بالشريعة الإسلامية .
إن هذا الإلغاء من قبل أتاتورك للخلافة الإسلامية في الدولة العثمانية كان له إسهام كبير في نهوض بعض العلماء للصد عن هذا الأمر الفاسد، سواء كان كتابيا أو قولياً وعملياً .
وممن وقف ضد كمال أتاتورك الشيخ سعيد النورسي ( 1379هـ ), وقد قام بنقد حكومة أتاتورك ومجالس نوابها, وجاهر بعداوة جمعية الاتحاد والترقي, والتحذير منها
بما جعلت حكومة أتاتورك تتخذ إجراءات تعسفية ضد الشيخ, حيث أصدرت باعتقاله ونفيه إلى مدينة ( بوردور)، ثم إلى ( بارلا) فظل في منفاه عشر سنين
ثم انتقل إلى سجن (أفيون), واشتد عليه المرض وتوفي في أورفة سنة 1379هـ ([18]) .
وفي أعقاب فصل أتاتورك الخلافة الإسلامية كتب الشيخ رشيد رضا (1354هـ) كتاباً بعنوان " الخلافة أو الإمامة العظمى " نشره على ست حلقات ووجه خلالها شرعية الخلافة وأهميتها
كما وجه النصح للترك من أن الإسلام قادر على تحقيق الرقي.
كما أصدر الأزهر بياناً – كنوع من رد الفعل- موقّعا عليه من ستة عشر عالماً, وكان ذلك في أعقاب إلغاء الخلافة بأربعة أيام
أعلنوا فيه بطلان عزل الخليفة عبدالحميد الذي انعقدت له البيعة من المسلمين جميعاً ([19]) .
ونتيجة لغياب التحكيم الشرعي لدى الكثير من الدول الإسلامية بعد سقوط الدولة العثمانية
جاءت فكرة الحاكمية التي ارتبطت منذ تداولها الاصطلاحي على يد أبي الأعلى المودودي ( ت1399هـ), حين نادى بها عبر كتبه ومؤلفاته ([20]).
وجاء بعده سيد قطب (ت 1386هـ) وأذاع مصطلح الحاكمية وبيّنه في مواضع كثيرة من كتبه، ورتب على هذا المصطلح أنه إذا غابت حاكمية الله ظهرت الجاهلية في المجتمع ([21])
يقول في كتابه معالم في الطريق : " يدخل في إطار المجتمع الجاهلي ([22]): تلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها مسلمة, وهذه المجتمعات تدخل في هذا الإطار
لأنها تعتقد بألوهية أحد غير الله ...؛ لأنها تدين بالعبودية لله وحده في نظام حياتها
فهي وإن لم تعتقد بألوهية أحد إلا الله تعطي أخص خصائص الألوهية لغير الله فتدين بحاكمية غير الله ... "([23])
وتلقّف هذه الدعوة بعض الجماعات التفكيرية حتى أفضى إلى ضرر عظيم، ونتجت -بسبب عدم الاستجابة لهذه الدعوة- ردة فعل مفادها تكفير الحاكم الذي لا يحكم بشريعة الله
دون ضوابط شرعية، وجاء تبعاً لهذا التكفير تكفير من رضي بهذا الحاكم, وبعبارة أخرى تكفير المجتمع الجاهلي الذي لا يخرج عن هذا الحاكم.
يقول فريد عبد الخالق أحد قادة الإخوان المسلمين : " إن نشأة فكر التكفير بدأت بين شباب بعض الإخوان في سجن القناطر، في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات
وأنهم تأثروا بفكر سيد قطب وكتاباته، وأخذوا منه : أن المجتمع في جاهلية، وأنه قد كفر حكامه الذين تنكروا لحاكمية الله بعدم الحكم بما أنزل الله، ومحكوميه إذ رضوا بذلك " ([24]) .
وبمعنى السابق نص موقع الجماعة الإسلامية بلبنان تأثر الجماعات الإسلامية بما كتبه سيد قطب، وجاء فيه : "وقد بدأت أوائل السبعينات تبرز تيارات فكرية تدين المجتمع
ومؤسساته الرسمية والأهلية، وتتهمه بالكفر والردة، كان في طليعتها جماعة التكفير والهجرة وما لحقها أو تفرع عنها.
وقد بدأت هذه الاتجاهات تتبلور في السجون المصرية نتيجة تأثرها بفهم خاطئ لبعض ما كتبه ... سيد قطب رحمه الله في كتابه "معالم في الطريق" وتفسيره "في ظلال القرآن"([25]).
ويجدر التنبيه هنا أن ثمت مفارقة بين شعار الخوارج ( لا حكم إلا لله) وبين المناداة بحاكمية الله.
ويتضح وجه الافتراق أن الخوارج يريدون بشعارهم سلب البشر إمكانية تطبيق حكم الله عز وجل, ومنع تحكيم الرجال المطبقين لحكم الله
في حين أن الداعين إلى الحاكمية لا يقولون بسلب الناس إمكانية تطبيق الحكم، بل ينادون بتطبيق حكم الله عز وجل
وتنفيذ أحكامه على العباد وإقامة الدولة الإسلامية التي تحكّم الشريعة ([26]).
كما يحسن التنويه هنا أن لفظة الحاكمية قد استخدمت قبل مفهومها الفكري السياسي المتعارف عليها الآن
حيث أُطلقت نسبة إلى الحاكم العبيدي أبي علي منصور بن نزار العزيز بالله (ت411هـ)، فشيعته يسمون بالحاكميين نسبة إليه، وقد اعتقدوا فيه الألوهية([27]) .
وجملة القول : إن أول من استخدم الحاكمية بمصطلحها الفكري السياسي أبو الأعلى المودودي, ثم أخذها عنه سيد قطب رحمهما الله
وغيره من المفكرين أمثال حسن الهضيبي(1393هـ) ([28]) وتوفيق علوان ([29]), فبثوا في كتاباتهم كمَعْلَم من معالم الدعوة والإصلاح الفكري
ثم أخذ عنهم الجماعات الإسلامية وتلقفوا عنهم فكرة الحاكمية وأخذوا ينادون بها ولا سيما بعد غياب الخلافة الإسلامية .


المطلب الثالث: وجوب التحاكم إلى الشرع.
لا جرم أن شريعة الله هي الشريعة التي يجب التحاكم إليها، سواء في الأمور العقدية أو الفقهية أو غيرها من المسائل.
وقد تعددت الآيات القرآنية التي تبين وجوب الحكم والتحاكم إلى شريعة الله، وجاءت بأساليب متنوعة ([30]) تقرر هذا المعنى, منها:
- استخدام القرآن أسلوب القسم مع نفى الإيمان عمن لم يحكّم النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً}([31]) .
وقد جاء في الصحيحين بيان سبب نزول هذه الآية، فعن عروة عن عبد اللَّهِ بن الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما أَنَّهُ حدثه :
" أَنَّ رَجُلا من الأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ عِنْدَ النبي صلى الله عليه وسلم في شِرَاجِ ([32]) الْحَرَّةِ التي يَسْقُونَ بها النَّخْلَ فقال الْأَنْصَارِيُّ سَرِّحْ الْمَاءَ يَمُرُّ فَأَبَى عليه
فَاخْتَصَمَا عِنْدَ النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلزُّبَيْرِ : اسق يا زُبَيْرُ، ثُمَّ أَرْسِلْ الْمَاءَ إلى جَارِكَ فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ فقال:
أَنْ كان ابن عَمَّتِكَ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قال: اسْقِ يا زُبَيْرُ، ثُمَّ احْبِسْ الْمَاءَ حتى يَرْجِعَ إلى الْجَدْرِ. فقال الزُّبَيْرُ : والله، إني لَأَحْسِبُ هذه الآيَةَ نَزَلَتْ في ذلك " ([33])
يقول ابن كثير في تفسير الآية: "يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور
فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنا وظاهرا"([34]).
- كما استخدم أسلوب الحصر ؛ كما قال تعالى : { ِإنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ }([35]).
- وكذا استخدم أسلوب الإنكار والتوبيخ فقال تعالى : {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}([36]) .
وغيرها من الآيات الدالة على وجوب التحاكم إلى شريعة الله عز وجل, كقوله تعالى :
{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} ([37]) .
جاء في تفسير الطبري رحمه الله: " لم يكن لمؤمن بالله ورسوله ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله في أنفسهم قضاء أن يتخيروا من أمرهم ..
ومن يعص الله ورسوله فيما [ أمرَ الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أو نهى الله عز وجل ورسوله] ؛ فقد ضل ضلالاً مبيناً" ([38]) .
وإذا تقرر أن التحاكم إلى شريعة الله واجب, فهنا يبرز السؤال المهم : هل الحكم بغير ما أنزل الله كفر؟ وما حكم من أطاع المبدِّلين لشرع الله ؟
وتأتي أهمية السؤال أن بعضاً من الجماعات تنطلق من هذا الحكم العام، وتحمّل مصطلح الحاكمية على أن الحكم بغير ما أنزل الله كفر وجاهلية من دون تفصيل
مستدلين يالآيات القرآنية المتعلقة بإيجاب الحكم والتشريع الإلهي, ومنها :
قوله تعالى : {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} ([39]) .
وقوله تعالى : {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} ([40]) .
وقوله تعالى : {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} ([41]).
وغيرها من الآيات الدالة على وجوب التحاكم إلى شريعة الله عز وجل .
يقول صاحب ظلال القرآن عند معرض تفسيره لهذه الآيات : " والناس – في أي زمان وفي أي مكان- إما أنهم يحكمون بشريعة الله -دون فتنة عن بعض منها- ويقبلونها ويسلمون بها تسليماً
فهم إذن في دين الله، وإما أنهم يحكمون بشريعة من صنع البشر – في أي صورة من الصور- ويقبلونها فهم إذن في جاهلية، وهم في دين من يحكمون بشريعته
وليسوا بحال في دين الله " ([42]) .
والحق ما ذهب إليه العلماء السابقون والمتأخرون أن في هذه المسألة تفصيلاً ([43]), ولذا فإن أكثر المفسرين للآيات لم يقولوا بكفر من لم يحكم بما أنزل الله على العموم ([44])
وإليك بعضاً من هذه الأقوال :
قال ابن عباس في تفسير الآيات السابقة : " كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق " ([45]) .
وقال عكرمة: " ومن لم يحكم بما أنزل الله جاحداً به، فقد كفر، ومن أقر به، ولم يحكم به؛ فهو ظالم فاسق " ([46]) .
وعن طاووس في تفسير الآيات قوله : " ليس بكفر ينقل عن الملة " ([47]) وعليه فإن الآيات لا تدل على أن الحكم بغير ما أنزل الله كفر على إطلاقه
بل المسألة فيها تفصيل، وصفوتها كما قال ابن أبي العز رحمه الله في شرح الطحاوية :
" إن الحكم بغير ما أنزل الله قد يكون كفراً ينقل عن الملة، وقد يكون معصية: كبيرة أو صغيرة ... وذلك بحسب حال الحاكم :
فإنه إذا اعتقد أن الحكم بما أنزل الله غير واجب، وأنه مخير فيه، أو استهان به مع تيقنه أنه حكم الله ؛ فهذا كفر أكبر .
وإن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله، وعَلِمه في هذه الواقعة، وعدل عنه مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة؛ فهذا عاص ...
وإن جهل حكم الله فيها مع بذل جهده واستفراغ وسعه في معرفة الحكم وأخطأه؛ فهذا مخطئ، له أجر على اجتهاده، وخطؤه مغفور " ([48]) .

ويُلحظ في كلام ابن أبي العز عرضه للحالات الآتية :
- ذكْره الجاحدَ لوجوب الحكم بما أنزل الله، وكذا الذي يرى أنه مختار فيه، أو المستهين بالحكم مع يقينه أنه من الله أنهم كفار كفر أكبر .
- قوله في مسألة الكفر الأصغر : في هذه الواقعة المعينة دون أن يجعل قانوناً عاماً يفرض على جميع الناس .
- المجتهد في مسألة الحكم مع بذل الوسع في معرفتها له أجر وإن أخطأ فيها .
ولتفصيل ما قاله ابن أبي العز في قوله " وعلمه في هذه الواقعة " أنقل كلاما نفيسا لابن تيمية حيث يقول رحمه الله : "إن الحاكم إذا كان ديِّنًا لكنه حكم بغير علم كان من أهل النار
وإن كان عالمًا لكنه حكم بخلاف الحق الذي يعلمه كان من أهل النار، وإذا حكم بلا عدل ولا علم كان أولى أن يكون من أهل النار، وهذا إذا حكم في قضية معينة لشخص
وأما إذا حكم حكمًا عامًا في دين المسلمين، فجعل الحق باطلاً، والباطل حقًا، والسنة بدعة، والبدعة سنة، والمعروف منكرًا، والمنكر معروفًا، ونهى عما أمر الله به ورسوله،
وأمر بما نهى الله عنه ورسوله، فهذا لون آخر" ([49]) .
وزاد الشيخ ابن عثيمين رحمه الله توضيحاً إلى توضيح شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله بعد أن بيّن الحالة الأولى :
" الثاني : أن يستبدل بحكم الله – تعالى – حكماً مخالفاً له في قضية معينة دون أن يجعل ذلك قانوناً يجب التحاكم إليه فله ثلاث حالات :
الأولى : أن يفعل ذلك عالماً بحكم الله –تعالى- معتقداًَ أن ما خالفه أولى منه وأنفع للعباد، أو أنه مساوٍ له، أو أن العدول عن حكم الله إليه جائز فهذا كافر كفرا مخرجا عن الملة .
الثانية : أن يفعل ذلك عالماً بحكم الله معتقداً أنه أولى وأنفع لكن خالفه بقصد الإضرار بالمحكوم عليه أو نفع المحكوم له, فهذا ظالم وليس بكافر ..
الثالثة : أن يكون كذلك لكن خالفه لهوى في نفسه أو مصلحة تعود إليه فهذا فاسق وليس بكافر ... " ([50]) .
وأما الجواب عن الشق الثاني للسؤال فقد بين الشيخ محمد ابن عثيمين هذه المسألة بقوله : " اتباع العلماء أو الأمراء في تحليل ما حرم الله أو العكس ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول : أن يتابعهم في ذلك راضياً بقولهم مقدماً له، ساخطاً لحكم الله فهو كافر؛ لأنه كره ما أنزل الله، وكراهية ما أنزل الله كفر ...
القسم الثاني : أن يتابعهم في ذلك راضياً بحكم الله وعالماً بأنه أمثل وأصلح للعباد والبلاد، ولكن لهوى في نفسه تابعهم في ذلك فهذا لا يكفر ولكنه فاسق .
القسم الثالث : أن يتابعهم جاهلاً يظن أن ذلك حكم الله فينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : أن يمكنه معرفة الحق بنفسه فهو مفرط أو مقصر، فهو آثم ...
القسم الثاني : أن يكون جاهلاً ولا يمكنه معرفة الحق بنفسه فيتابعهم بغرض التقليد، يظن أن هذا هو الحق فلا شيء عليه... " ([51]) .

المطلب الرابع: أسباب دعوى الحاكمية ودوافعها
عادة ما تظهر أي فرقة من الفرق أو فكرة من الأفكار المخالفة لمذهب السلف الصالح إلا ولها أسباب ودوافع وطيدة الصلة بالفكرة أو المذهب ؛ وذلك لارتباط الأسباب بمسبباتها .
ولدعوى الحاكمية أسباب ودوافع لنشوئها وظهورها، وإليك تفاصيل هذه الأسباب وما يتفرع عنها :
السبب الأول : الغلو .
إن الغلو الذي هو " المبالغة في الشيء، والتشديد فيه بتجاوز الحد " ([52]) من أهم أسباب نشأة كثير من الفرق الضالة والمناهج المنحرفة
ولهذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الغلو، فقال : " وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ في الدِّينِ؛ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ من كان قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ في الدِّينِ " ([53])
والمتتبع للمضامين المتعلقة بمسألة الحاكمية يجد أن غالبها مرتبط بمظاهر الغلو وتوضيح ذلك بالآتي:
1- الغلو في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله، ونتج عن هذا الغلو :
أ- الغلو في مسألة تكفير المقيم غير المهاجر، وهذا الغلو نتج عن قضية التحزب على أساس الربط الأخوي والخروج إلى القرى والهجرة إليها .
ب- الخروج على الحكام، وهذا نتج بسبب الغلو في مسألة تكفير الحاكم من دون التعرف على تفاصيل المسألة .
ج- المطالبة بإقامة الدولة الإسلامية, وذلك بسبب غيابها، ووجود بعض الحكومات التي تعلن الحرب عن الإسلام .
وفي هذا المعنى يقول الشيخ بكر أبو زيد : " أما الفِرَق والأحزاب ( الجماعات) التي تنشأ في منهجها الدعوي على غير هذا الأساس؛ فما هي إلا رد فعل للحالة المتردية :
السياسية، أو الجماعية ... فإذا عايش سقوط ما يسمى بالخلافة الإسلامية ؛ أقام دعوته مؤسَّسةً على المطالبة بالحكم (توحيد الحاكمية )
وإذا عايش المؤسِّس تفكك ( الأقليات المسلمة ) أقام دعوته على أساس الربط الأخوي بالخروج إلى القرى والفلوات " ([54]) .
2- الغلو في مفهوم التقليد وذمه؛ حيث رأت بعض الجماعات أن الطاعة المطلقة لا تكون إلا لله، ولذلك يكفرون المقلد لأنه حكّم غير الله، واتبع غير رسول الله صلى الله عليه وسلم ([55]).
3- الغلو في جانب الولاء و البراء، والتشدد في الدين والإفراط في الجانب العاطفي وعدم ضبط ذلك كله بميزان الشرع .
السبب الثاني : الجهل .
الجهل أصل كل انحراف وضلال وشر، فهو داء عضال إذا استشرى في المجتمع فإنه يضعفه, ويضله عن السبيل القويم . وإذا أمعنت النظر في مسألة الحاكمية
تجد أن للجهل أثراً واضحاً في نشوئها، ويمكن توضيح ذلك من خلال النقاط التالية :
- جهل المتبنين لفكرة الحاكمية بالنصوص الشرعية، فأخذوا بإصدار الأحكام المتعلقة بالحاكمية من خلال عموميات النصوص الشرعية دون التعمق في تفاصيلها
بما أدى بهم إلى التكفير المطلق لمن لم يحكم بما أنزل الله, وربطه بمسألة جاهلية المجتمع المسلم .
- جهلهم بأقوال العلماء وآثارهم، بل تجاوزا وزعموا " أن كتب الفقه لا تصلح لعصرنا، ثم ازدادوا ا نحرافاً فقالوا : إن الاحتكام إليها هو عبادة لأصنام أئمة الفقه
وحجبوا الشباب عن كتب الفقه بدعوى الاحتكام إلى القرآن والسنة "([56]) ولو أنهم نظروا إلى تفاصيل العلماء في مسألة الحاكمية وأخذوا بأقوالهم لما ذهبوا إلى القول بالتكفير .
- جهلهم بمقاصد الشريعة وغاياتها, حيث جعلوا مسألة الحكم غاية لإقامة التوحيد، وعليه جعلوا توحيد الحاكمية قسيما رابعا لأنواع التوحيد
والحق أن مسألة الحكم وسيلة لإقامة الدين , وليست هي الغاية.
- جهلهم بالمصطلحات الشرعية المتعلقة بمسائل الحاكمية ، كعدم التفريق بين الكفر المطلق والمقيد، والجاهلية العامة والجاهلية الخاصة وغيرها من المصطلحات.
- جهلهم بمآلات دعوى الحاكمية من المفاسد العظيمة؛ وذلك لعدم فقههم بالموازنة بين المصالح والمفاسد، وسد الذرائع
السبب الثالث : اتباع الهوى .
إن الهوى يُعمي ويُصم، وهو سبب منشأ الفرق المنحرفة, وعنوان التفرق والاختلاف، لأنه خروج عما أمر الله به عز وجل ونأي عن التزام أوامره .
ولذا حذر القرآن الكريم من الهوى فقال تعالى : {فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} ([57])
أضف إلى ذلك فإن الهوى من الأسباب التي توقع المسلم في المعاصي والذنوب، قال تعالى : {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}([58]) .
يقول ابن القيم رحمه الله : " فالعاصي دائما في أسر شيطانه وسجن شهواته وقيود هواه، فهو أسير مسجون مكبل، ولا أسيراً أسوأ حالاً من أسير أسَرَه أعدى عدو له
ولا سجن أضيق من سجن الهوى " ([59]) .
وارتباط الهوى بمسألة نشوء الحاكمية يكمن في الآتي :
- بتر الأقوال الواردة عن السلف والعلماء لأجل أن تخدم مذهبهم وآراءهم الفاسدة .
ومن المناسب إيراد المثال على ذلك في مسألة الحاكمية، ففي كتاب الطريق إلى الخلافة نقل صاحبه عن شيخ الإسلام ابن تيمية في مسألة الحكم على من حكم بغير ما أنزل الله
وحذف كلام شيخ الإسلام وبتره, ليفهم منه التكفير المطلق في المسألة, في حين أن النص الكامل يفيد التفصيل في المسألة ([60]) .
- عدم الرجوع إلى العلماء الراسخين والربانيين في مسألة الحكم والحاكمية
والخوض في المسألة بهوى وتعصب، وهذا المسلك خطير وضرره جسيم؛ قال تعالى :
{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } ([61]) .
- إعمال النصوص الشرعية التي تخدم مسألة الحاكمية
كقوله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}([62]), وإهمال المحكمات من الآيات والأحاديث الشرعية التي توضح المتشابه في المسألة ([63]) .
- الطعن في صحة أدلة السلف والتشكيك فيها
كما فعل البعض في تشكيك تفسير ابن عباس رضي الله عنه لقوله تعالى : {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} ([64]) على أنه كفر دون كفر ([65]).
السبب الرابع : دافع سياسي :
مر الحديث عن نشأة مفهوم الحاكمية، وتبين من خلاله أن سقوط الدولة العثمانية وإلغاء الخلافة الإسلامية من الأسباب التي أدت إلى ظهور مفهوم الحاكمية بمصطلحها الفكري السياسي . ويمكن توضيح أثر هذا الدافع في ظهور دعوى الحاكمية من خلال العناصر الآتية :
* عدم وجود دولة إسلامية كبرى تنعقد لإمامها البيعة من جميع المسلمين ([66]) ؛ لهذا يرى بعض الجماعات الإسلامية لزوم إيجاد جماعة المسلمين باعتبارها تجمعات مرحلية في الطريق إلى القيادة الإسلامية الكبرى, ومن ثم اختيار أهل الحل والعقد
الذين بهم تجتمع الكلمة، وتتوحد صفوف الأمة الإسلامية، بحيث يقومون باختيار إمام واحد تجتمع به الصفوف ([67]) .
* أن بعض الجماعات الإسلامية -كالإخوان في مصر- انبثقت عهدها تحت احتلال المستعمرين كبريطانيا،
ومن خلال واقعها السياسي رأت أن مظاهر التدهور في مصر في كافة نواحيها -والتي منها الحاكمية- ترجع إلى تدبير الإنجليز، وأن سياستهم في ذلك تنبع من كره دفين للإسلام
فأسرفت في الترويج لمذاهب الشك والإلحاد, كل ذلك أسباب أدت إلى المطالبة بإقامة دولة إسلامية تحكّم الشريعة ([68]) .
* كذلك فإن من أسباب دعوى الحاكمية ما حصل لبعض المنتسبين للجماعات الإسلامية من الاعتقال، ومن ثم تعذيبهم واضطهادهم في السجون
وكذا التضييق عليهم وعدم قبولهم في الجامعات والمدارس أو في السلك العسكري, وإغلاق فرص الظهور والعمل أمامهم ...
وهذا الأمر سبّب ردة فعل من قبل الجماعات الإسلامية, وأخذت تنادي بالخروج عن الحكام ([69])
ومن هنا يمكن أن يقال إن واقع المسلمين في العصر الحاضر وما آل إليه من الضعف والذل والمهانة، بالإضافة إلى تحكيم بعض الدول الإسلامية بالقوانين الوضعية
من الأسباب الرئيسة التي أدت إلى دعوى إقامة الحكومة الإسلامية من قبل الجماعات الإسلامية وتبني فكرة الخروج على الحكام .


المطلب الخامس: طرق انعقاد الإمامة :
لما كان من مضامين مسألة الحاكمية الدعوة إلى إقامة الدولة الإسلامية, والخروج عن الحاكم الكافر، فإنه من المستحسن بيان طرق انعقاد الإمامة، حتى تتضح مسألتها
ويظهر معالمها, مع التفصيل في مسألة شروط الخروج على الحاكم الكافر
ومن خلال ما كتبه العلماء السابقون فإن الإمامة تنعقد عند أهل السنة بإحدى الطرق التالية:
1 - اختيار أهل الحل والعقد :
وأهل الحل والعقد هم بمثابة أعضاء مجلس الشورى الذي يمثل الحكومة في عملية اختيار الإمام، ويذهب معظم علماء أهل السنة إلى تجويز انعقاد البيعة للإمام بمبايعة أهل الحل والعقد
كما حصلت البيعة لأبي بكر رضي الله عنه باختيار عدد من أكابر الصحابة ([70]) .
2 - عهد الإمام السابق لمن بعده:
وهذه الطريقة تكون بعهد من الخليفة لمن بعده أن يتولى الإمامة، كما عهد أبو بكر إلى عمر رضي الله عنهما .
يقول الماوردي رحمه الله : " وأما انعقاد الإمامة بعهد فهو مما انعقد الإجماع على جوازه، ووقع الاتفاق على صحته، لأمرين عمل المسلمون بهما :
أحدهما : أن أبا بكر – رضي الله عنه- عهد إلى عمر –رضي الله عنه- فأثبت المسلمون إمامته وعهده ... " ([71]) .
3 - الغلبة والقهر :
وتكون هذه الطريقة بأخذ الملك بالقوة والقهر, كما حصل لداود لما قتل جالوت وآتاه الله الملك، قال تعالى مبيناً ذلك :
{فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ }([72]) . أي : منّ الله عليه بتملكه على بني إسرائيل مع الحكمة
وهي النبوة المشتملة على الشرع العظيم والصراط المستقيم ([73])
يقول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله عند حديثه عن أصول السنة عند السلف : " ومن ولي الخلافة فاجتمع الناس عليه، ورضوا به، ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة ... ماض
ليس لأحد أن يطعن عليهم ولا ينازعهم ... " ([74]) .
وبمعنى ما سبق يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - : " الأئمة مجمعون من كل مذهب على أن من تغلب على بلد أو بلدان
له حكم الإمام في جميع الأشياء ولولا هذا ما استقامت الدنيا " ([75]) .
ومن الأهمية بمكان توضيح مسألة الخروج على الحاكم الكافر لعموم البلوى فيها، حتى يعلم أن الخروج على الحاكم الكافر ليس بإطلاق
بل هو مشروط بشروط استنبطها العلماء من نص الحديث الذي رواه عبادة بن الصامت، قال رضي الله عنه : "دَعَانَا النبي صلى الله عليه وسلم فَبَايَعْنَاهُ فقال فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا
أَنْ بَايَعَنَا على السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ في مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ إلا أَنْ ترو كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ من اللَّهِ فيه بُرْهَانٌ " ([76]) .
وهذه الشروط كما ورد في الحديث: أن تروا كفرا بواحاً عندكم من الله فيه برهان ([77]) .
كما استنبط العلماء شرطا آخر -ذا أهمية- وهو القدرة على الإزالة والخروج على الحاكممن خلال الآيات الدالة على الاستطاعة والقدرة كقوله تعالى :
{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا }([78]), وكذلك من قوله صلى الله عليه وسلم :
" من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " ([79]) .
يقول ابن القيم رحمه الله : " فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره. وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله
وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم، فإن أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر " ([80]) .
ويقول الشيخ ابن باز رحمه الله عند معرض حديثه عن مسألة الخروج على الحاكم الكافر : "إذا رأى المسلمون كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان :
فلا بأس أن يخرجوا على هذا السلطان لإزالته إذا كان عندهم قدرة , أما إذا لم يكن عندهم قدرة : فلا يخرجوا . أو كان الخروج يُسبّب شراً أكثر :
فليس لهم الخروج ؛ رعايةً للمصالح العامة .والقاعدة الشرعية المُجمع عليها أنه ( لا يجوز إزالة الشرّ بما هو أشرّ منه )
بل يجب درء الشرّ بما يزيله أو يُخفّفه . أما درء الشرّ بشرٍّ أكثر : فلا يجوز بإجماع المسلمين " ([81]).

المطلب السادس: آثار الحاكمية السيئة على الأمة الإسلامية.
بدأت تظهر في السنوات الأخيرة وأكثر من أي وقت مضى الدعوة إلى إقامة الدولة الإسلامية التي تحتكم إلى الشريعة - وهذا حسن - إلا إن هذه الدعوة شابتها فكرة التكفير
والخروج عن الحكام بدعوى الحاكمية .
وإذا ألقَيتَ نظرة سريعة في حال غالبية التنظيمات والحركات التي تنادي بتحرير البلاد الإسلامية من الحكام الظلمة
وما تتبناه من أساليب للوصول إلى غاياتها في إقامة الحكم الإسلامي المنشود تجد أن كثيرا من وسائلهم يشوبها العنف والفوضى
الأمر الذي أدى إلى إخلال الأمن والأمان في كثير من المجتمع الإسلامي، وصد المسار الدعوي, والاختلاف والتفرق بين الأمة.
ومن المناسب بيان بعض الآثار السيئة على مسار الدعوة الصحيحة بسبب دعوى الحاكمية, وهي كما يلي :
*إهمال قضية الدعوة إلى التوحيد بأنواعه الثلاثة وغيرها من المضامين الدعوية: وهذا الأمر يتضح في تركيز من ينادي بدعوى الحاكمية على توحيد الحاكمية
ومسألة تحكيم شريعة الله عز وجل, وإهمال القضايا العقدية وغيرها من مضامين الدعوة كالأخلاق والمعاملات والعبادات.
يقول صاحب كتاب واقعنا المعاصر : " إن الأمر يحتاج إلى دعوة الناس من جديد إلى الإسلام، لا لأنهم – في هذه المرة – يرفضون أن ينطقوا بأفواههم : لا إله إلا الله محمد رسول الله
كما كان الناس يرفضون نطقها في الغربة الأولى، ولكن لأنهم – في هذه المرة – يرفضون المقتضى الرئيسي لـ لا إله إلا الله، وهو: تحكيم شريعة الله " ([82]) .
*تعطيل أعمال المؤسسات الدعوية : وذلك أن دعوى الحاكمية فرّخت شبهة الخروج على الحكام، وبالتالي قاموا بأعمال وأساليب عنيفة وتخريبية من أجل تحقيق الدعوى الفاسدة
الأمر الذي جعل غير المسلمين يحاولون أن ينالوا من الدعوة الصحيحة تحت ظل حرب العنف والتخريب، وذلك بطلب من الدول الإسلامية بإقفال المراكز الدعوية والمؤسسات الخيرية
" فكم من مسجد بني بعضه ولم يتم بناؤه، لتقاعس المحسنين عن مواصلة إحسانهم، وكم عالم أو طالب علم انقطع عن التفرغ لإفادة الناس العلم النافع
و اشتغل بلقمة العيش له ولمن يعول، لما قبض أهل الخير أيديهم، بسبب تخوفهم من مصير من يكفلون، وهكذا كم مصالح عامة وخاصة انهدم بنيانها " ([83]) .
*تشويه المنهج الدعوي الصحيح: ويتجلى هذا الأثر أن أعداء الإسلام استغلوا في تشويه المنهج الدعوي الصحيح من خلال الأخطاء التي يرتكبها المتبنون لدعوى إقامة الحكومة الإسلامية
وبالتالي أخذوا ينفرون الناس عن الإسلام, مع أن المنهج الدعوي الصحيح برئ من ذلك.
* إخراج أحكام فقهية مخالفة للدين: وذلك أن دعاة الحاكمية لما رأوا أن بعض الحكومات الإسلامية تأخذ بالقوانين الوضعية، أخذوا يفتون بأحكام فقهية بناء على تعامل حكوماتهم
فصاروا يجوزون التعامل بالربا وغيرها من الأحكام المخالفة للدين .
* ابتعاد المدعوين عن الدعاة : وذلك أن المدعوين وبخاصة العوام لا يفرقون بين الدعوة الصحيحة والمخالفة، فإذا ما رأى وسمع عن دعاوى الحاكمية وما ينتج عنها من العنف والتخريب، وأن هذا مِنْ فعل مَنْ ظاهره الصلاح والاستقامة، فإنهم ينظرون إلى الدعاة والمصلحين نظرة تخوف وتحذير، الأمر الذي يبعد المدعوين عن الدعاة، ويقلل من قَبول دعوتهم
* الاختلاف والتفرق بين الدعاة : سبق وأن ذكرت أن فكرة الحاكمية قد أثيرت جدلاً علمياً واسع النطاق في أوساط الدعاة بين مُعارض للفكرة وبين منتصرلها
بما نتج عن ذلك اختلاف وتفرق بين الدعاة، واشتغل الكثير منهم في ردها والبعض الآخر في الانتصار لها ؛ الأمر الذي سبّب في إعاقة مسيرة الدعوة، وضعف سير قافلتها .
* حصول الخلل الأمني في البيئة الدعوية : فالأمن من الحاجات الإنسانية, وهو شرط لاستقرار النفسي والاجتماعي، فإذا ما اختل هذا الأمن فإنه يؤثر – بلا شك- على مسار الدعوة
حيث إن الداعية لا يستطيع أن يمارس الدعوة في وضعها الطبيعي في ظل غياب الأمن في بيئة الدعوة ومناشطها .
* تضليل المدعوين بالأفكار المنحرفة : وذلك أن هناك مصطلحات شرعية لا تعرف حقيقتها إلا بالتفصيل والتقسيم الفرعي له، كمصطلح كمال الإيمان ونفيه، والكفر المطلق والمقيد
والجاهلية العامة والجاهلية الجزئية، والغالب أن الدعاة إلى الأفكار المنحرفة كثيرٌ ما يحمّلون هذه النصوص الشرعية على الاصطلاح الذي يؤيد فكرته
بما يؤدي إلى ترويجه وقبول الناس تحت هذه المصطلحات لظنهم أن هذا مراد الشرع .
* توالد وتكاثر الجماعات الإسلامية : فمن عوامل توالد وتكاثر الجماعات الإسلامية دعوى الحاكمية, حيث ولدت قضية التكفير والهجرة
وكذا ولدت فكرة الجماعة الجهادية وغيرها من الجماعات . وهذا الأمر يسبب التفرق والاختلاف، ويضعف من مسير الدعوة, كما أنه يشتت جهود الدعاة ودورهم في المجتمع الإسلامي .
بقلم : أبي يزيد سليم بن صفية المدني / قسم الدكتوراه بالجامعة الإسلامية بالمدينة

[1] إنّ التوحيد بأقسامه الثلاثة متضمِّنٌ لحاكمية الله عز وجل, فلا حاجة, ولا ضرورة لاستحداث هذا القسيم الرابع تحت أي دعوى.
- سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن من أضاف إلى التوحيد قسماً رابعاً وأسماه "توحيد الحاكمية".
فأجاب: من يدعي أن هناك قسماً رابعاً للتوحيد تحت مسمى توحيد الحاكمية, يعد مبتدعاً فهذا تقسيم مبتدع صدر من جاهل لا يفقه في أمر العقيدة والدين شيئاً !!.
وذلك لأن الحاكمية تدخل في توحيد الربوبية من جهة أن الله يحكم بما يشاء, وتدخل في توحيد الألوهية لأن العبد عليه أن يتعبد الله بما حكم.
فهو ليس خارجاً عن أنواع التوحيد الثلاثة وهي:توحيد الربوبية والألوهية وتوحيد أسماء الله وصفاته". انظر: "جريدة المسلمون" عدد (639).
[2]"معالم في الطريق" ص 50.
[3] "مفهوم الحاكمية في فكر الشهيد عبد الله عزام" لأبي عبادة الأنصاري, ص 20.
[4] المصدر الصناعي: يطلق على كل لفظ زيد في آخره ياء النسب المشدّدة ثم تاء التأنيث المربوطة، وتسمّى تاء النقل؛ لأن الاسم قبل اتصاله بها كان له حكم المشتق من أجل ياء النسب
ثم لما اتصلت به نقلته إلى الاسمية المحضة، فصار يدل على المعنى المجرّد المتعلق بالصفات أو الأحكام الخاصة بذلك اللفظ. انظر: النحو الوافي، عباس حسن (3/186-187).
[5] انظر : مجمل مقاييس اللغة، ابن فارس، (ص258)، ولسان العرب، ابن منظور، ( 3/270-273)، والقاموس المحيط، فيروز أبادي (4/136).
[6] سورة النساء، آية رقم (58).
([7]) سورة مريم، آية رقم (12) .
([8]) المستصفى، للغزالي، (1/83) .
([9]) سورة الأنعام، آية رقم (57) .
([10]) رواه أبو داود في سننه: أول كتاب الأدب، باب الأدب في تغيير الاسم القبيح، (ص 698) برقم ( 4955)، والنسائي في سننه : كتاب آداب القضاة
باب إذا حكموا رجلا فقضى بينهم، (ص 730) برقم (5389)، وجوّد إسناده العراقي في المغني عن حمل الأسفار، (2/779) .
([11]) شبهات التكفير، عمر بن عبد العزيز قريشي، (ص 114 ) .
([12]) سورة النساء، آية رقم (65) .
([13]) الصلة بين العقيدة والحاكمية، عبد العزيز بن محمد الوهيبي، (ص 70) .
([14]) حقيقة توحيد الحاكمية، سؤال رقم: 11745، من موقع الإسلام، سؤال وجواب، http://www.islam-qa.com/index.php?QR=11745&ln=ara
([15]) انظر: الأجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة، من إجابات الشيخ صالح الفوزان، جمع جمال الدين بن فريحان الحارثي (ص67-68).
([16]) الحكم وقضية تكفير المسلم، سالم البهنساوي، (ص 27) .
([17]) الشريعة الإلهية لا القوانين الجاهلية، عمر الأشقر، (ص 64) .
([18]) استمرارية الدعوة ، نماذج من الدعاة من القرن السابع إلى القرن الرابع عشر، محمد السيد الوكيل، (ص 377-378).
([19]) الإخوان المسلمون والجماعات الإسلامية، زكريا بيومي، (ص 56-58) .
([20]) مثل كتابه : مجموعة نظرية الإسلام وهديه في السياسة والقانون والدستور، (ص 251) .
([21]) لا يجوز إطلاق لفظ الجاهلية العامة على المجتمعات العامة؛ لأنها قد زالت ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم 
وأما إطلاق شيء من أمورها على بعض الأفراد أو بعض الفرق أو بعض المجتمعات؛ فهذا ممكن وجائز؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر -كما في صحيح البخاري
كتاب الإيمان، باب المعاصي من أمر الجاهلية ... (ص 10) برقم (30)- : " إنك امرُؤٌ فِيْكَ جَاهِلِيَّة" .
انظر : الأجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة، من إجابات الشيخ صالح الفوزان، جمع جمال الدين بن فريحان الحارثي (ص149-150)
وكتاب التوحيد، صالح الفوزان، (ص 31).
([22]) يرى الباحث عبد العزيز الوهيبي بعد دراساته لمؤلفات سيد قطب أن سيداً رحمه الله لم يقصد بعبارته الجاهلية المجملة تكفير المسلمين عموماً
لأن له نصوصاً أخرى كثيرة تقيّد هذا الإطلاق . انظر : الصلة بين العقيدة الحاكمية في فكر سيد قطب (ص 147)
([23]) معالم في الطريق، سيد قطب، (ص 101) .
([24]) الإخوان المسلمون في ميزان الحق، فريد عبد الخالق (ص 115) .
([25]) من موقع الجماعة الإسلامية بلبنان، http://www.al-jamaa.org/top_intro.asp
([26]) انظر : الغلو في الدين في حياة المسلمين المعاصرة، عبد الرحمن اللويحق، (ص 109، 111) .
([27]) انظر : البداية والنهاية، ابن كثير (11/96)، وحسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة ، السيوطي ( 1/601) وفرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام، غالب العواجي، (1/478).
([28]) انظر كتابه : دعاة لا قضاة ، (ص 83 ) .
([29]) انظر كتابه : نجم الدعاة حسن البنا، توفيق علوان، (ص 164) .
([30]) وجوب تحكيم الشريعة الإسلامية ، مناع القطان، (ص 124-130).
([31]) سورة النساء، آية رقم (65) .
([32]) أي مسيل الماء من الحرة إلى السهل، لسان العرب، ابن منظور، (2/ 307 ) .
([33]) متفق عليه: رواه البخاري في صحيحه : كتاب المساقاة، باب سكر الأنهار، (ص 466) برقم (2359-2360) واللفظ له، ومسلم في صحيحه :
كتاب الفضائل باب وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، (4/1824) برقم (2357).
([34]) تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ، (ص368-369).
([35]) سورة الأنعام، آية رقم (57) .
([36]) سورة المائدة، آية رقم (50) .
([37]) سورة الأحزاب، آية رقم (36) .
([38]) جامع البيان في تفسير آي القرآن، ابن جرير الطبري، (22/11) .
([39]) سورة المائدة، آية رقم (44) .
([40]) سورة المائدة، آية رقم (45) .
([41]) سورة المائدة، آية رقم ( 47) .
([42]) في ظلال القرآن، سيد قطب، (6/904) .
([43]) للاستزادة انظر المراجع التالية : تحكيم القوانين، الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (ص 5-7)، والحكم بغير ما أنزل الله أحواله وأحكامه
عبد الرحمن المحمود (ص 115-125)، والحكم والتحاكم في خطاب الوحي، عبد العزيز مصطفى كامل، (1/318-341).
([44]) انظر هذه الأقوال : جامع البيان في تفسير آي القرآن، ابن جرير الطبري، (10/346، -352)، وتفسير القرآن، ابن أبي حاتم (4/1143) وتفسير القرآن العظيم، ابن كثير، (ص462-465).
([45]) أخرج هذه الرواية : الحاكم في المستدرك، كتاب الرد على من يقول أن القرآن مخلوق، (2/342) برقم (3219)
والبيهقي في الكبرى: كتاب النفقات، باب تحريم القتل من السنة، (8/20) وقال الحاكم : هذا صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
([46]) تفسير القرآن، ابن أبي حاتم (4/1143)، وجامع البيان في تفسير آي القرآن، ابن جرير الطبري، (6/256)
([47]) جامع البيان في تفسير آي القرآن، ابن جرير الطبري، (6/256).
([48]) شرح العقيدة الطحاوية، ابن أبي العز (ص 323-324).
([49]) مجموع الفتاوى، ابن تيمية ، (35/355).
([50]) مجموع فتاوى ابن عثيمين ، جمع وترتيب فهد السليمان، (2/145-146).
([51]) المجموع الثمين من فتاوى ابن عثيمين، جمع وترتيب فهد السليمان، (2/129-130) .
([52]) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر (13/278).
([53]) رواه النسائي في سننه : كتاب المناسك، باب التقاط الحصى، ص (420) برقم (3059)، والحاكم في المستدرك، كتاب أول المناسك، (1/ 637) برقم (1711)
وقال : حديث حسن صحيح .
([54]) حكم الانتماء إلى الفرق والأحزاب والجماعات الإسلامية، بكر أبو زيد (ص 73) .
([55]) الغلو في الدين في حياة المسلمين المعاصرة، عبد الرحمن اللويحق، (ص 107-108).
([56]) الحكم وقضية تكفير المسلم، سالم البهنساوي، (ص 82) .
([57]) سورة النساء، آية رقم ( 135 ) .
([58]) سورة القصص، آية رقم (50) .
([59]) الجواب الكافي، ابن القيم، (ص 108) .
([60]) انظر : الحكم بغير ما أنزل الله وأصول التكفير، خالد العنبري، (ص 122) .
([61]) سورة النساء، آية رقم ( 83 ) .
([62]) سورة المائدة، آية رقم (50) .
([63]) انظر : الاعتصام، الشاطبي (2/737-739)، فقد بين رحمه الله بالتفصيل والأمثلة أن من أسباب ظهور الفرق الضالة: اتباعها للمتشابه وتركها للمحكمات بسبب الهوى .
([64]) سورة المائدة، آية رقم (44) .
([65]) انظر : قرة العيون، سليم بن عيد الهلالي (ص 14-15).
([66]) بالنسبة لمسألة تعدد الأئمة في الأقطار المختلفة فقد بين الشوكاني هذه المسألة في كتابه السيل الجرار (4/512) حيث قال :
" أما بعد انتشار الإسلام و اتساع رقعته ... فلا بأس بتعدد الأئمة والسلاطين، ويجب الطاعة لكل واحد منهم بعد البيعة له على أهل القطر الذي ينفذ فيه أوامره ونواهيه
فإذا قام من ينازعه في القطر الذي قد ثبتت فيه ولايته، وبايعه أهله كان الحكم فيه : أن يقتل إذا لم يتب؛ ولا تجب على أهل القطر الآخر طاعته، ولا الدخول تحت ولايته لتباعد الأقطار " .
([67]) جماعة المسلمين مفهومها وكيفية لزومها في واقعنا المعاصر، صلاح الصاوي، (ص 77) .
([68]) الإخوان المسلمون والجماعات الإسلامية في الحياة السياسية المصرية، زكريا بيومي، (ص 201).
([69]) الإخوان المسلمون في ميزان الحق، فريد عبد الخالق (ص 115) ، ودعاة لا بغاة، علي جريشة، (ص 173).
([70]) غياث الأمم في التياث الظلم، أبو معالي الجويني، (ص 34)، و الأحكام السلطانية، الماوردي (33).
([71]) الأحكام السلطانية، الماوردي (ص39) .
([72]) سورة البقرة، آية رقم (249) .
([73]) تسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، السعدي، (ص 108) .
([74]) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، اللالكائي (1-161) .
([75]) الدرر السنية، (7/239).
([76]) متفق عليه: رواه البخاري في صحيحه : كتاب الفتن، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم " سترون بعدي أموراً تنكرونها "، (ص1482) برقم (7056) واللفظ له
ومسلم في صحيحه : كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء، (3/1470) برقم (1709).
([77]) انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر (13/11).
([78]) سورة التغابن، آية رقم (16) .
([79]) رواه مسلم في صحيحه : كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان ... (1/69) برقم (49).
([80]) إعلام الموقعين عن رب العالمين، ابن القيم الجوزية، (4/3) .
([81]) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدالعزيز بن باز، جمع وترتيب محمد الشويعر، (8/203-204)
([82]) واقعنا المعاصر، محمد قطب، (ص 29) .
([83]) سياسة الإسلام في التعامل مع الفتن المعاصرة، مصطفى عسيري، (ص 195) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق