الجمعة، 23 مارس 2018

التفضيل بدون التفصيل لا يستقيم



 التفضيل بدون التفصيل لا يستقيم


فائدة التفضيل بين عائشة وفاطمة :

الخلاف في كون عائشة أفضل من فاطمة أو فاطمة أفضل إذا حرر محل التفضيل صار وفاقا فالتفضيل بدون التفصيل لا يستقيم.

فإن أريد بالفضل كثرة الثواب عند الله عز و جل فذلك أمر لا يطلع عليه إلا بالنص لأنه بحسب تفاضل أعمال القلوب لا بمجرد أعمال الجوارح وكم من عاملين أحدهما أكثر عملا بجوارحه والآخر أرفع درجة منه في الجنة
وإن أريد بالتفضيل التفضل بالعلم فلا ريب أن عائشة أعلم وأنفع للأمة وأدت إلى الأمة من العلم ما لم يؤد غيرها واحتاج إليها خاص الأمة وعامتها 
وإن أريد بالتفضيل شرف الأصل وجلالة النسب فلا ريب أن فاطمة أفضل فإنها بضعة من النبي وذلك اختصاص لم يشركها فيه غير إخواتها وإن أريد السيادة ففاطمة سيدة نساء الأمة وإذا ثبتت وجوه التفضيل وموارد الفضل وأسبابه صار الكلام بعلم وعدل .
وأكثر الناس إذا تكلم في التفضيل لم يفصل جهات الفضل ولم يوازن بينهما فيبخس الحق وإن انضاف إلى ذلك نوع تعصيب وهوى لمن يفضله تكلم بالجهل والظلم مسائل متنوعة في التفضيل .
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن مسائل عديدة من مسائل التفضيل فأجاب فيها بالتفصيل الشافي فمنها:
أنه سئل عن تفضيل الغني الشاكر على الفقير الصابر أو العكس ؟ فأجاب بما يشفي الصدور فقال أفضلهما أتقاهما لله تعالى فإن استويا في التقوى استويا في الدرجة .
ومنها أنه سئل عن عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان أيهما أفضل؟ فقال: أيام عشر ذي الحجة أفضل من ايام العشر من رمضان والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة وإذا تأمل الفاضل اللبيب هذا الجواب وجده شافيا كافيا فإنه ليس من ايام العمل فيها أحب إلى الله من أيام عشر ذي الحجة وفيهما يوم عرفة ويوم النحر ويوم التروية
وأما ليالي عشر رمضان فهي ليالي الاحياء التي كان رسول الله يحييها كلها وفيها ليلة خير من ألف شهر فمن أجاب بغير هذا التفصيل لم يمكنه أن يدلي بحجة صحيحة .
ومنها أنه سئل عن ليلة القدر وليلة الإسراء بالنبي أيهما أفضل ؟ فأجاب: بأن ليلة الإسراء أفضل في حق النبي وليلة القدر أفضل بالنسبة إلى الأمة فحظ النبي الذي اختص به ليلة المعراج منها أكمل من حظه من ليلة القدر وحظ الأمة من ليلة القدر
أكمل من حظهم من ليلة المعراج وإن كان لهم فيها أعظم حظ لكن الفضل والشرف والرتبة العليا إنما حصلت فيها لمن أسرى به . ومنها أنه سئل عن يوم الجمعة ويوم النحر؟ فقال يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع ويوم النحر أفضل ايام العام وغير هذا الجواب لا يسلم صاحبه من الاعتراض الذي لا حيلة له في دفعه.
ومنها أنه سئل عن خديجة وعائشة أمي المؤمنين ايهما أفضل؟ فأجاب بأن سبق خديجة وتأثيرها في أول الإسلام ونصرها وقيامها في الدين لم تشركها فيه عائشة ولا غيرها من امهات المؤمنين
وتأثير عائشة في آخر الإسلام وحمل الدين وتبليغه إلى الأمة وإدراكها من العلم ما لم تشركها فيه خديجة ولا غيرها مما تميزت به غيرها.
فتأمل هذا الجواب الذي لو جئت بغيره من التفضيل مطلقا لم تخلص من المعارضة .
ومنها أنه سئل عن صالحي بني آدم والملائكة ايهما أفضل ؟ فأجاب: بأن صالحي البشر أفضل باعتبار كمال النهاية والملائكة أفضل باعتبار البداية فإن الملائكة الآن في الرفيق الأعلى منزهين عما يلابسه بنو آدم مستغرقون في عبادة الرب
ولا ريب أن هذه الأحوال الآن أكمل من أحوال البشر وأما يوم القيامة بعد دخول الجنة فيصير حال صالحي البشر اكمل من حال الملائكة
وبهذا التفصيل يتبين سر التفضيل وتتفق أدلة الفريقين ويصالح كل منهم على حقه.
فعلى المتكلم في هذا الباب أن يعرف أسباب الفضل أولا ثم درجاتها ونسبة بعضها إلى بعض والموازنة بينها ثانيا ثم نسبتها إلى من قامت به
ثالثا كثرة وقوة ثم اعتبار تفاوتها بتفاوت محلها رابعا قرب صفة هي كمال لشخص وليست كمالا لغيره بل كمال غيره بسواها.
فكمال خالد بن الوليد بشجاعته وحروبه وكمال ابن عباس بفقهه وعلمه وكمال أبي ذر بزهده وتجرده عن الدنيا
فهذه أربع مقامات يضطر إليها المتكلم في درجات التفضيل وتفضيل الأنواع على الأنواع أسهل من تفضيل الأشخاص على الأشخاص وأبعد من الهوى والغرض .
وههنا نكتة خفية لا ينتبه لها إلا من بصره الله وهي أن كثيرا ممن يتكلم في التفضيل يستشعر نسيته وتعلقه بمن يفضله ولو على بعد ثم يأخذ في تقريظه وتفضيله
وتكون تلك النسبة والتعلق مهيجة له على التفضيل والمبالغة فيه واستقصاء محاسن المفضل والإعضاء عما سواها ويكون نظره في المفضل عليه بالعكس.
ومن تأمل كلام أكثر الناس في هذا الباب رأى غالبه غير سالم من هذا وهذا مناف لطريقة العلم والعدل التي لا يقبل الله سواها ولا يرضي غيرها
ومن هذا تفضيل كثير من أصحاب المذاهب والطرائق واتباع الشيوخ كل منهم لمذهبه وطريقته أو شيخه وكذلك الأنساب والقبائل والمدائن والحرف والصناعات
فإن كان الرجل ممن لا يشك في علمه وورعه خيف عليه من جهة أخرى وهو أنه يشهد حظه نفعه المتعلق بتلك الجهة ويغيب عن نفع غيره بسواها
لأن نفعه مشاهد له أقرب إليه من علمه بنفع غيره فيفضل ما كان نفعه وحظه من جهته باعتبار شهوده ذلك وغيبته عن سواه
فهذه نكت جامعة مختصرة إذا تأملها المنصف عظم انتفاعه بها واستقام له نظره ومناظرته والله الموفق.
**منقول من كتاب بدائع الفوائد لابن القيم الجوزية رحمه الله .


للإضافة وهي مهمة :

سئل الإمام ابن تيمية رحمه الله عن رجلين تجادلا ، فقال أحدهما : إن تربة محمد صلى الله عليه وسلم أفضل من السماوات والأرض . وقال الآخر : الكعبة أفضل ، فمع من الصواب ؟

فأجاب: "الحمد لله ، أما نفس محمد صلى الله عليه وسلم  فما خلق الله خلقا أكرم عليه منه ، وأما نفس التراب فليس هو أفضل من الكعبة البيت الحرام ، بل الكعبة أفضل منه
ولا يعرف أحد من العلماء فضل تراب القبر على الكعبة إلا القاضي عياض ، ولم يسبقه أحد إليه ، ولا وافقه أحد عليه ، والله أعلم" اهـ (الفتاوي الكبرى)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق