الخميس، 22 مارس 2018

الألباني والإرجاء

الألباني والإرجاء 
الشيخ/ عبدالعزيز الريس -حفظه الله-
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد ،،،
فما بين يديك – أيها القارئ الكريم – براهين وبينات في بيان أن العلامة المجدد المحدث محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله – برئ من كونه مرجئاً براءة الذئب من دم يوسف
وبراءة أمنا أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق عائشة بنت أبي بكر مما قذفها به الخاطئون .
كتبتها لأهل العدل والقسط ، دون أهل الظلم والجور ، ولأهل السنة السلفيين ، دون أهل البدعة الخلفيين . ممن التبس عليهم الأمر
فإن هؤلاء إذا بان لهم الحق اتبعوه طمعاً في رضا الرب وما أعد لأهل الحق ، وخوفاً من سخط الرب وما أعد لمخالفي الحق .
وكن – أيها القارئ – وقّافاً ، وللحق تبّاعاً ، وللظلم والجور نكّاراً ، وعن أعراض المسلمين لا سيما العلماء الصادقين دفّاعاً ، فمن رد عن عرض أخيه المسلم رد الله عن وجهه النار يوم القيامة .
فهلموا طلاب الجنان ، والنجاة من النيران، للذب عن عرض هذا الإمام ، بالحق لا بالباطل والبهتان.
وقبل البيان والتدليل قدَّمت ببعض الفصول المتضمنة تعريفاً بعقيدة السلف في الإيمان ، وكذا عقيدة المرجئة الضالة ؛ إذ الحكم على الشيء فرع عن تصوره .

الفصل الأول / اعتقاد أهل السنة السلفيين في الإيمان :
هو الاعتقاد الذي جاء به القرآن ، والسنة الصحيحة ، مما كان عليه الصحابة والتابعون بإحسان، وهو يتلخص فيما يلي :
قول باللسان ، وعمل بالجوارح ، واعتقاد بالقلب ،والدليل على ذلك ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم:
" الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة ، فأفضلها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان "
فالحديث صريح على أن القول كقول "لا إله إلا الله " ، والعمل "كإماطة الأذى عن الطريق "، والاعتقاد "كالحياء" من الإيمان (1).
فمن لم ينطق بكلمة التوحيد مع القدرة فهو كافر بالاتفاق(2) ، ومن لم يوجد في قلبه عمل القلب من أصل الخوف والرجاء والحب والتوكل فهو كافر بالاتفاق (3)
وما زاد على أصل الخوف والحب والرجاء فهو ما بين واجب ومستحب (4)، ومن دخل الإسلام ولم يعمل شيئاً من أعمال الجوارح مع قدرته ولا مانع وبقائه زمناً فهو كافر بالاتفاق (5)
وأفراد أعمال الجوارح بالنسبة للإيمان ما بين واجب يأثم المسلم بتركه ، وفي التكفير بترك بعضها نزاع كالمباني الأربعة من صلاة وصوم وزكاة وحج أو أحدها على قول عند أهل السنة
فإن تكفير تارك المباني الأربعة أو أحدها مسألة خلافية عند أهل السنة السلفيين أنفسهم ، وما بين مستحب يثاب على فعله امتثالاً .
وهو يزيد وينقص كما قال تعالى {ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم} ، وكل ما يزيد فقد كان ناقصاً (6)، فهو –إذاً - ليس شيئاً واحداً لا يتجزأ (7)، لذلك يصح الاستثناء فيه (8)
وذلك بأن يقول المسلم –مثلاً-: أنا مؤمن إن شاء الله ، على اعتبارات منها : الله أعلم بقبول الأعمال ، أو أن الإيمان إذا أطلق أريد به الإيمان المطلق -أي الكامل - الذي يتضمن فعل الواجبات وترك المحرمات
فهو يستثني خشية ألا يكون أتى بهذا الإيمان المطلق ، أو باعتبار ترك تزكية النفس بالإيمان ، فلذلك استثنى
أو باعتبار أن الاستثناء على اليقين لا على الشك فيكون راجعاً لما تيقنه من نفسه من الإتيان بأصل الإيمان (9)- وهو مطلق الإيمان -.
والكفر عند أهل السنة السلفيين يكون بالقول والفعل والاعتقاد (10).
ويقرون بالتلازم بين الظاهر والباطن ، وأن الظاهر تبع للباطن صلاحاً وفساداً ، فالقلب الملك والجوارح جنوده
وأن فساد الظاهر دال على فساد الباطن (11)؛ فلا يقع كفر في الظاهر إلا ويلزم منه كفر الباطن ، فمن سب الله كفر ظاهراً وباطناً (12).

تنبيه /
الأعمال الظاهرة الصادرة من المسلم من جهة الكفر وعدمه نوعان (13):
الأول / ما يضاد الإيمان من كل وجه ، أو لا يحتمل إلا الكفر ،أو ما يتضمن ترك الإيمان ، أو يدل على كفر الباطن، كالسب والاستهزاء وإهانة المصحف ونحو ذلك.
الثاني / ما لا يضاد الإيمان من كل وجه ، أو ما هو محتمل للكفر وغيره ، أو ما لا يتضمن ترك الإيمان أو لا يدل على كفر الباطن ، وهذا لا يكفر به إلا بعد الاستفصال، والدليل على ذلك :
ما أخرجه الشيخان عن علي بن أبي طالب أن حاطب بن أبي بلتعة كتب رسالة إلى قريش يخبرهم بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ، وفي الحديث قول رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لحاطب :
" يا حاطب ما هذا " ؟ قال : لا تعجل علي ، إني كنت امرءاً ملصقاً في قريش ، ولم أكن من أنفسهم ، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم بمكة
فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يداً يحمون بها قرابتي ، وما فعلت ذلك كفراً ولا ارتداداً عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم :" إنه صدقكم " (14 ) .
والضابط في التمييز بين هذين النوعين من الأعمال الأدلة الشرعية ، فما كفرت به الأدلة الشرعية من غير استفصال كفرنا به
وما لم تكفر به الأدلة الشرعية مباشرة لم نكفر به ؛ إذ الكفر حق لله و رسوله صلى الله عليه وسلَّم .

الفصل الثاني / من المرجئة ؟ :
هي طائفة زائغة اتفقت كلمة السلف على ذمها والتحذير منها .
وأجمعت هذه الطائفة على أن الإيمان شيء واحد لا يتجزأ (15)، فمن ثم لا يزيد ولا ينقص (16)، ولا يصح الاستثناء فيه (17)، وأن أعمال الجوارح ليست من الإيمان(18)
فمن ثم لا كفر يقع بالجوارح (19)، ومعصية الله بالجوارح لا تكدر صفو الإيمان (20 ).
وهم أصناف ثلاثة (21):
الأولى / جعلت الإيمان ما في القلب فحسب فهؤلاء الجهمية .
الثاني / جعلت الإيمان مجرد القول فهؤلاء الكرامية .
الثالثة / جعلت الإيمان اعتقاد القلب وقول اللسان وهؤلاء مرجئة الفقهاء .
وأكثر المرجئة على إدخال أعمال القلوب في الإيمان (22)، فمن ثم لزمهم إدخال أعمال الجوارح فيه (23)، لأنه يلزم من صلاح القلب صلاح الجوارح
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم :" ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب " .

الفصل الثالث / دلائل البراءة من الإرجاء :
قد ذكر العلماء السلفيون دلائل البراءة من الإرجاء ، بمعنى أن من قال بها برئ من وصف الإرجاء المذموم :
الأول / القول بأن الإيمان يزيد وينقص ، فمن قال بهذا نقض أصلاً من أصولهم وهو أن الإيمان شيء واحد لا يتجزأ، فمن ثم برئ من الإرجاء كله (24).
الثاني / القول بأنه يصح الاستثناء في الإيمان ، فمن قال بهذا نقض أصلاً من أصولهم وهو أن الإيمان شيء واحد لا يتجزأ .(25)
الثالث / القول بأن الكفر يقع بأعمال الجوارح ، فمن قال بهذا نقض أصلاً من أصولهم وهو إخراج أعمال الجوارح من الإيمان (26).
الرابع / أن الذنوب تضر بالإيمان وتنقصه (27).
الخامس / القول بأن الإيمان قول وعمل (28).

الفصل الرابع / الصلاة وعلاقتها بالإرجاء :
قد وقع بعض الغالطين في خطأ شنيع فوصف غير المكفر بترك الصلاة بأنه مرجئ ، أو دخلت عليه شبهة الإرجاء .
وهذه من التهم التي منبعها إما الجهل أو الهوى – وكلاهما قد أضرا بالدين غاية الضرر – إذ كثرفي كلام أئمة الدين السلفيين ، أن تارك الصلاة كسلاً من غير جحود ليس كافراً
وبهذا قال بعض علماء المسلمين ، كالزهري ومالك والشافعي وأبي عبيد القاسم بن سلام فهذا ليس قولاً للمرجئة ، بل قول ثان لأهل السنة(29).
إلا أنه يتنبه أنه إذا قيل لرجل : صل فلم يصل-مع إمكانه ولامانع- حتى لو وضع تحت السيف، رضي بالقتل على ألا يصلي فإن مثل هذا كافر بالاتفاق (30).
ومن لم يكفره دخلت عليه شبهة الإرجاء (31)، وهذا ليس خاصاً بالصلاة ، بل وأيضاً في باقي أمور الدين ، كما لو آثر القتل على النطق بشهادة أن محمداً رسول الله وهكذا(32).

الفصل الخامس / الحكم بغير ما أنزل الله والإرجاء :
قد أخطأ بعضهم لما وصف القول بأن الحكم بغير ما أنزل الله ليس كفراً أكبر إلا إذا استحل ؛ بأنه قول المرجئة الضالة ، لأنه قول أهل السنة الذى نطق به فضلاء الأمة(33).
وتنبه – أخي القارئ – أن هناك فرقاً بين عدم ترجيحك لهذا القول ، وبين وصفه قولاً للمرجئة دون أهل السنة.
فليتق الله امرؤ مِن وصْفِ هذا القول بأنه قول المرجئة ، وليتذكر يوماً قال الله فيه :
{أين المفر ، كلا لا وزر ، إلى ربك يومئذ المستقر ، ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر ، بل الإنسان على نفسه بصيرة ، ولو ألقى معاذيره}.

الفصل السادس / لماذا هذه الفرية ؟ .
تناقل بعض الغالطين فرية رموا بها ناصر السنة وقامع البدعة محدث الزمان محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله – ؛ ألا وهي أنه مبتدع مرجئ بل قال بعض الجهلة المتعالمين :
إنه جهمي جلد !! ، ووالله لولا أن هذه الفرية انطوت على بعضهم لما استحقت الرد ولا الذكر- لكونها بينة الهزال ظاهرة البطلان - ، ولكن هكذا كان .
وقبل إيراد شبهة الرامين بهذه الفرية وتفنيدها – بتوفيق الله – ألفت نظر القارئ الكريم إلى أن للألباني أقوالاً كثيرة وتحقيقات بديعة في تقرير وتأييد ونصرة مذهب أهل السنة والجماعة السلفيين في الإيمان ، فمن ذلك :
* أنه خرّج وحقق أحاديث ثلاثة كتب – فيما أعلم إن لم تكن أكثر – متخصصة في بيان معتقد السلف في باب الإيمان ؛ ألا وهي :
كتاب الإيمان لابن أبي شيبة ، وكتاب الإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلام ، وكتاب الإيمان لابن تيمية ، فهل مثل هذا يرمى بالإرجاء ؟.
* أنه كان معتنياً بالرد على المبتدعة المخالفين في هذا الباب ، فمثلاً مرجئة الفقهاء ، لما ذكر ابن أبي العز الحنفي وغيره أن خلاف أهل السنة معهم خلاف لفظي ، لم يرتض هذا
وبين أن الخلاف حقيقي كما هو قول طائفة من السلف والخلف منهم؛ الإمام ابن باز- رحمه الله –(34).
قال الألباني – في تعليقه على العقيدة الطحاوية عند قول الطحاوي : " الإيمان هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان " -: قلت : هذا
هو مذهب الحنفية والماتريدية ، خلافاً للسلف وجماهير الأئمة كمالك والشافعي وأحمد والأوزاعي وغيرهم ، فإن هؤلاء زادوا على الإقرار والتصديق العمل بالأركان
وليس الخلاف بين المذهبين اختلافاً صورياً كما ذهب إليه الشارح –رحمه الله – بحجة أنهم جميعاً اتفقوا على أن مرتكب الكبيرة لا يخرج عن الإيمان وأنهم جميعاً في مشيئة الله
إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه ، فإن هذا الاتفاق وإن كان صحيحاً ، فإن الحنفية لو كانوا غير مخالفين للجماهير مخالفة حقيقية في إنكارهم أن العمل من الإيمان لاتفقوا معهم على أن الإيمان يزيد وينقص
وأن زيادته بالطاعة ونقصه بالمعصية مع تظافر أدلة الكتاب والسنة والآثار السلفية على ذلك ، وقد ذكر الشارح طائفة منها ص (342 – 344 )
ولكن الحنفية أصروا على القول بخلاف تلك الأدلة الصريحة في الزيادة والنقصان ، وتكلفوا في تأويلها تكلفاً ظاهراً بل باطلاً ، ذكر الشارح ص342 نموذجاً منها
بل حكى عن أبي معين النسفي أنه طعن في صحة حديث الإيمان بضع وسبعون شعبة ، مع احتجاج كل أئمة الحديث به ، ومنهم البخاري ومسلم في صحيحيهما وهو مخرج في الصحيحة ( 1369 )
وما ذلك إلا لأنه صريح في مخالفة مذهبهم ، ثم كيف يصح أن يكون الخلاف المذكور صورياً وهم يجيزون لأفجر واحد منهم أن يقول : إيماني كإيمان أبي بكر الصديق ؟
بل كإيمان الأنبياء والمرسلين وجبريل وميكائيل عليهم الصلاة والسلام ؟ كيف وهم بناء على مذهبهم هذا لا يجيزون لأحدهم – مهما كان فاسقاً فاجراً – أن يقول :
أنا مؤمن إن شاء الله تعالى ، بل يقول : أنا مؤمن حقاً ؟ والله عز وجل يقول

{ إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون ، الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ، أولئك هم المؤمنون حقاً }
وقوله {ومن أصدق من الله قيلاً }.
وبناء على ذلك كله اشتطوا في تعصبهم فذكروا أن من استثنى في إيمانه فقد كفر ، وفرعوا عليه أنه لا يجوز للحنفي أن يتزوج بالمرأة الشافعية !
وتسامح بعضهم – زعموا – فأجاز ذلك دون العكس وعلل ذلك بقوله : تنزيلاً لها منزلة أهل الكتاب ! وأعرف شخصاً من شيوخ الحنفية خطب ابنته رجل من شيوخ الشافعية فأبى قائلاً :
لولا أنك شافعي ! فهل بعد هذا مجال للشك في أن الخلاف حقيقي ؟ ومن شاء التوسع في هذه المسألة فليرجع إلى كتاب شيخ اسلام ابن تيمية الإيمان فإنه خير ما ألف في هذا الموضوع ا.هـ (35) .

فهل من رد على مرجئة الفقهاء بمثل هذا الرد يوصف بأنه مرجئ ، سبحانك هذا بهتان عظيم .
وقال – رحمه الله في معرض كلام له على الطاعن في مسند الإمام أحمد-:
أن الرجل حنفي المذهب ، ماتريدي المعتقد ، ومن المعلوم أنهم لا يقولون بما جاء في الكتاب والسنة وآثار الصحابة من التصريح بأن الإيمان يزيد وينقص وأن الأعمال من الإيمان
وعليه جماهير العلماء سلفاً وخلفاً ما عدا الحنفية ؛ فإنهم لا يزالون يصرون على المخالفة ؛ بل إنهم ليصرحون بإنكار ذلك عليهم
حتى إن منهم من صرح بأن ذلك ردة وكفر – والعياذ بالله تعالى – فقد جاء في ( باب الكراهية ) من "البحر الرائق " –لابن نجيم الحنفي – ما نصه ( 8/ 205) :
" والإيمان لا يزيد ولا ينقص ؛ لأن الإيمان عندنا ليس من الأعمال "
ثم قال الشيخ الألباني - : وهذا يخالف – صراحة – حديث أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم سئل :
أي العمل أفضل ؟ قال :" إيمان بالله ورسوله .. " - الحديث – أخرجه البخاري –وغيره- ، وفي معناه أحاديث أخرى ترى بعضها في "الترغيب" (2/ 107) .
وقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية وجه كون الإيمان من الأعمال ، وأنه يزيد وينقص – بما لا مزيد عليه- في كتابه "الإيمان " ، فليراجعه من شاء البسط .
أقول : هذا ما كنت كتبته من أكثر من عشرين عاماً ؛ مقرراً مذهب السلف ، وعقيدة أهل السنة – ولله الحمد – في مسائل الإيمان
ثم يأتي – اليوم – بعض الجهلة الأغمار ، والناشئة الصغار : فيرموننا بالإرجاء !! فإلى الله المشتكى من سوء ما هم عليه من جهالة وضلالة وغثاء ا.هـ (36) .

فها هو – رحمه الله – يقرر أن الإيمان يزيد وينقص فمن ثم ليس شيئاً واحداً لا يتجزأ ، وقرر صحة الاستثناء
وقرر أن الأعمال من الإيمان فهو بهذا يحظى بتزكية أئمة السلف كابن المبارك وأحمد بن حنبل والبربهاري على أنه ليس مرجئاً . بل هو –والله – سيف مسلول على المرجئة
لذا حقق الكتب التي تقرر الإيمان على طريقة السلف الأبرار ، ثم بين أن خلاف مرجئة الفقهاء مع السلف في الإيمان خلاف حقيقي لا صوري .
* أنه قرر – رحمه الله – أن الكفر كما يكون بالاعتقاد يكون بالأعمال أيضاً فقال :
ومن الأعمال أعمال قد يكفر بها صاحبها كفراً اعتقادياً ، لأنها تدل على كفره دلالة قطعية يقينية ، بحيث يقوم فعله هذا منه مقام إعرابه بلسانه عن كفره
كمثل من يدوس المصحف مع علمه به ، وقصده له ، ا.هـ ( 37) وقد صرح بأن ترك الصلاة يكون كفراً أكبر وذلك إذا أصر على تركها والامتناع عن فعلها مع تهديد الحاكم له بالقتل فقال :
وعلى مثل هذا المصر على الترك والامتناع عن الصلاة مع تهديد الحاكم له بالقتل : يجب أن تحمل كل أدلة الفريق المكفر للتارك للصلاةا.هـ(38)،
- إذاً – ترك الصلاة عنده كفر أكبر في مثل هذه الحالة .
ولما سئل عن الاستهزاء بالدين قال : لا شك هذا كفر اعتقادي ، بل كفر له قرنان ، لأن الاستهزاء بآيات الله عز وجل لا يمكن أن يصدر من مؤمن مهما كان ضعيف الإيمان .
وهذا النوع من الكفر هو الذي يدخل في كلامنا السابق حينما كنا نقول : لا يجوز تكفير مسلم إلا إذا ظهر من لسانه شيء يدلنا عما وقر في قلبه ، فهنا استهزاؤه بآيات الله عز وجل …
هذا أكبر إقرار منه على أنه لا يؤمن بما استهزأ به فهو إذاً كافر كفراً اعتقادياً – ثم قال – نحن نقول: لا ينفع مع الشرك حسنة ، لكن نقول : يضر مع الإيمان المعصية .
والإيمان كما تعلمون جميعاً يقبل الزيادة والنقصان ، وزيادته بالطاعة ونقصانه بالمعصية ا.هـ
(39) ، وقد أفتى بأن قول الرجل أنا يهودي كفر مخرج من الملة (40).
وفي جلسة علمية قرئت عليه فتوى للشيخ محمد بن إبراهيم – رحمه الله – في تكفير الساب والمستهزئ فأقرها وبين أنه بهذا يدين الله (41).
وفي جلسة علمية أخرى قرر أن الكفر يكون بالفعل ، والقول كالاستهزاء ، والاعتقاد ، وأن أنواع الكفر ستة : تكذيب وجحود وعناد وإعراض ونفاق وشك .
وأن المرجئة هم الذين حصروا الكفر في التكذيب بالقلب وقالوا : كل من كفره الله فلا نتفاء التصديق في القلب بالرب(42).
وكن على ذكر أن الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ممن يقرر كفر تارك الصلاة إذا وضع تحت السيف ودعي إلى الصلاة فلم يصل حتى يقتل – كما سبق -
فهو بهذا نجا من شبهة الإرجاء التي دخلت على غيره لما لم يكفر في مثل هذه الحالة كما قرره ابن تيمية – وقد سبق نقله - .
فلا أظنك - أيها المنصف – إلا ازددت يقيناً بهزال وبطلان هذه الفرية التي رمي بها هذا الشيخ السلفي – والحمد لله أولاً وآخراً - .
لذا كانت كلمات أئمة العصر فيه عطرة ، مليئة بالثناء والتزكية ، كمثل الإمام عبد العزيز بن باز – رحمه الله (43). والإمام محمد بن صالح العثيمين – حفظه الله -(44) .وكفى بهما لكل ذي دين وورع .
وبعد هذا إليك – أيها القارئ الفطن – شبه الغالطين في رمي الشيخ محمد ناصر الدين الألباني بالإرجاء وتفنيدها :
الشبهة الأولى / أنه لا يكفر بالأعمال مطلقاً وإنما بالاعتقاد وحده، فهو لا يكفر بالسب والاستهزاء وإهانة المصحف وهكذا …
وهذا - أخوة الإسلام – من الظلم العظيم لهذا الإمام النحرير ، فإن كلماته متكاثرة في التكفير بهذه الأمور وأمثالها ، لكن بشرط أن يكون الناطق بكلمة السبّ عالماً بأن كلامه سبٌّ
وإلا لو سب أحد ولم يدر أن كلامه سبّ لأي سبب كان ، فلا يلحق به حكم التكفير ، وهذا ما قرره علماء الدين (45).
وقد سبق إثبات أن الشيخ يقرر أن هذه الأعمال كفرية كفراً أكبر وهو يكفر بها بما لا يدع مجالاً للشك والريب (46).
إلا أن الشيخ – رحمه الله – كثيراً ما يقرر أنه لا كفر إلا باعتقاد وليس معنى قوله : أنه لا يكفر بالأعمال التي حكمت الشريعة عليها بأنها كفر أكبر. كلا ليس هذا المراد
بدليل أنه كفر بكثير من الأعمال الكفرية – كما سبق – وإنما مراده بذلك أن كل عمل في الظاهر لا يكون كفراً مخرجاً من الملة إلا إذا كان دالاً على كفر اعتقاده في الباطن
والأعمال إن دلت على كفر الباطن فهي كفر ، وإلا لم تكن كفراً ، وقد وضح ذلك وأبانه هو نفسه فليس بعد بيانه بيان (47).
وهو القائل – كما سبق نقله - :
من الأعمال أعمال قد يكفر صاحبها كفراً اعتقادياً لأنها تدل على كفره دلالة قطعية يقينية ، بحيث يقوم فعله هذا منه مقام إعرابه بلسانه عن كفره كمثل من يدوس المصحف ، مع علمه به وقصده له ا.هـ (48) .
ثم ليعلم أن هذه الكلمة ( لا كفر إلا باعتقاد ) حمّالة أوجه ، وهذه الأوجه ما بين أوجه صحيحه وباطلة ؛ فالوجه الصحيح ما سبق ذكره
أما الوجه الباطل هو أن يظن أنه لا كفر أكبر يقع بالجوارح ، أو أن المراد بالاعتقاد هنا الإرادة فمن ثم يكون معناها : لا كفر إلا بإرادة الكفر ، فلو عمل المسلم ما عمل من المكفرات
فإنه لا يكفر حتى يريد الكفر ، فيلزم على هذا أن إبليس ليس كافراً لأنه لم يرد الكفر ، وإنما أبى واستكبر ، وأيضاً يلزم على هذا أن الذين نزل فيهم قوله تعالى :
{قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } ليسوا كفاراً لأنهم غير معتقدين لهذا الكلام بمعنى أنهم غير مريدين الكفر
وكذا من عبد غير الله بطواف وصلاة ليس كافراً لأنه لم يرد الكفر وهكذا … .
وهذا القول خطأ شنيع ومزلة قدم وقد قرره المرجئة استدلالاً بقوله تعالى: { ولكن من شرح بالكفر صدراً } ، قال ابن تيمية : قال الله تعالى :
{ إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم } وهذه الآية مما يدل على فساد قول جهم ومن اتبعه
فإنه جعل كل من تكلم بالكفر ، من أهل وعيد الكفار ، إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان . فإن قيل : فقد قال تعالى { ولكن من شرح بالكفر صدراً } قيل : وهذا موافق لأولها
فإنه من كفر من غير إكراه فقد شرح بالكفر صدراً ، وإلا ناقض أول الآية آخرها ، ولو كان المراد بمن كفر هو الشارح صدره ، وذلك يكون بلا إكراه ، لم يستثن المكره فقط
بل كان يجب أن يستثني المكره وغير المكره إذا لم يشرح صدره ، وإذا تكلم بكلمة الكفر طوعاً فقد شرح بها صدراً وهي كفر ، وقد دل على ذلك قوله تعالى:
{يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم ، قل استهزؤا إن الله مخرج ما تحذرون ، ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون
لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ، إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين
} . فقد أخبر أنهم كفروا بعد إيمانهم مع قولهم : إنا تكلمنا بالكفر من غير اعتقاد له
بل كنا نخوض ونلعب ، وبين أن الإستهزاء بآيات الله كفر ، ولا يكون هذا إلا { قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ }(التوبة: من الآية65) ممن شرح صدره بهذا الكلام
ولو كان الإيمان في قلبه منعه أن يتكلم بهذا ا.هـ (49) .
فمن ثم إذا كانت هذه الكلمة حمّالة أوجه فإنه يتعين تركها بعداً عن النزاع والخلاف ، ومع كون هذه الكلمة مجملة إلا أنه لا يعذر ألبته المتكلم في العلامة الألباني لأجل هذه الكلمة المجملة
لأن الواجب تجاه أهل العلم والفضل حمل كلامهم على أحسن محمل ، وعدم الفرح بخطئهم – على فرض وجود الخطأ – والتسرع في ذمهم
ثم إن كلامه الآخر قاضٍ على هذه الاحتمالات الخاطئة ، ومبين عدم إرادته لها ، فلم الظلم والعدوان باسم النصح والبيان ؟ .
الشبهة الثانية / أنه يحصر الكفر في التكذيب :
نسبة هذا للشيخ ظلم وخطأ إذ هو بين أن حصر الكفر في التكذيب قول المرجئة ، وأنه مذهب باطل – كما سبق نقله عنه - .
الشبهة الثالثة / أنه لا يكفر بالحكم بغير ما أنزل الله إلا إذا كان استحلالاً وهذا قول المرجئة دون أهل السنة :
ونسبة هذا القول له حق ، وهو من أشد أنصاره ، لكن الخطأ كل الخطأ في جعله قول المرجئة الضالة دون أهل السنة الناجية - وقد سبق نقل القول عن أهل السنة -
ثم تذكروا أن هذا أيضاً اختيار الإمام عبد العزيز بن باز – رحمه الله – فهل يصح لجاهل ظلوم أن يصفه بالإرجاء ؟ اللهم سلّم سلّـم .
الشبهة الرابعة / أنه لا يكفر بالصلاة ، ومن قال بذلك دخلت عليه شبهة الإرجاء :
وكونه لا يكفّر بترك الصلاة صحيح ، لكن الباطل والضلال اتهام من لا يكفر بترك الصلاة بأن شبهة الإرجاء دخلت عليه .
أيها المتهم / ألا تعقل ما تقول : هل الإمام مالك والشافعي وأحمد – في أحد أقواله – وأبو عبيد القاسم بن سلام والزهري وغيرهم من الأئمة
لما لم يكفروا تارك الصلاة دخلت عليهم شبهة الإرجاء ؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.
الشبهة الخامسة / أنه لا يكفر بترك جنس عمل الجوارح :
ونسبة هذا القول إليه ثابت ، فقد قرّره في بعض محاضراته ، وفي كتاب حكم تارك الصلاة إذ قال : الأعمال شرط كمال .
وهذه زلة خطيرة ، وكبوة كبيرة ، لكن ليس كل من خالف معتقد أهل السنة في شيء صار مبتدعاً خارجاً عنهم (50).
ثم اعلمأخي المنصف - : أن مسألة التكفير بترك جنس العمل مسألة تفريعية على معتقد أهل السنة في إثبات التلازم بين الظاهر والباطن
والإمام الألباني ممن يقرر بكثرة التلازم بين الظاهر والباطن-في كتبه ومحاضراته- ويستدل على ذلك بحديث النعمان بن بشير (51) -كما هو شأن علماء السنة –
إلا إنه في تنزيل هذه العقيدة على هذه الصورة زل وأخطأ – عفا الله عنه - .
فإياك وزلات العلماء ، فإنه يهلك فيها اثنان : الأول : يعظمها ويفخمها (52). والثاني : متعصب لها وداعٍ إليها(53).
وكن - رعاك الله – وسطاً على الجادة ، بأن تبين الخطأ وتغفره من أولي الفضل والدين الذين أصولهم على الطريقة السلفية المرضية ، طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم وأصحابه الكرام .
علماً أن الألباني من أكثر الناس دعوة إلى فهم الكتاب والسنة على فهم السلف ليس غير ، وله في ذلك عشرات المحاضرات وطبق هذا عملياً حتى على المسائل الفقهية ما استطاع إلى ذلك سبيلاً
قال -رحمه الله في معرض كلام له - : ولم يتنبهوا لقاعدة أن الفرد من أفراد العموم إذا لم يجر العمل به ، دليل أنه غير مراد منه ، وما أكثر البدع التي يسميها الإمام الشاطبي ( بالبدع الإضافية )
إلا من هذا القبيل ومع ذلك فهي عند أهل العلم مردودة، لأنها لم تكن من عمل السلف وهم أتقى وأعلم من الخلف ، فيرجى الانتباه لهذا ، فإن الأمر دقيق ومهم
ا.هـ (54)
نداء للسلفيين :
أيها الأخوة السلفيون عقيدة ومنهجاً / إياكم وأن يغرر بكم الحزبيون ، فيضرب بعضكم بعضاً، ويرد بعضكم على بعض ، وكونوا يداً واحدة في قمع أهل الفساد من صوفية وأشعرية وعلمنة وحزبية
أما آن لكم أن تتفطنوا إلى مكر غيركم بكم ، فقد كنا في أيام غير بعيدة متعاونين متكاتفين ، نتباشر بضعف الحزبية ، وانكسار شوكتها ، ونترقب زوالها .
أيها السلفي – الموفق – انظر فيمن تطعن ، وعلى من ترد ، أعلى رجل يشاركك في المعتقد السلفي وفي عداء المبتدعة وحربهم ؟!
أم على رجل لا يبالي بالمعتقد السلفي وبالبدعة والمبتدعة بما أنه من أنصاره وتحت لواء حزبه ؟.
وليس معنى هذا ألا ترد على من أخطأ من السلفيين ، بل رد لكن مع النصح والتعاون ، لا مع البغض والتنافر ، وألا تجعل شغلك الشاغل صراعهم والحط منهم ، فإن المبتدعة الضالين كثروا
وسهامهم قد صوبت على الدعوة الحقة ؛ الدعوة السلفية معتقداً ومنهجاً .
-أيها السلفي –
دع عنك حظوظ النفس وهواها ، فاغفر الزلة ، وغض البصر عن الخطأ والهفوة ، وضع يدك في يد إخوانك ، فإن القوم تكالبوا ، وعلى الباطل تعاونوا ، وليكن لسان حالك " وعجلت إليك رب لترضى".
وسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم / عبد العزيز بن ريس الريس
15 / 7 / 1421 هـ 

للكتيب كامل مع الحواشي
 برفع وتنسيق وتقييد ضد التحرير من قبل
شبكة أنصار آل محمد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق