الثلاثاء، 20 مارس 2018

عُنْوَانِ الحِكَمِ ( النُّونِيَّةُ ) مكتوبة + صوتية

عُنْوَانِ الحِكَمِ

( النُّونِيَّةُ )

شَاعِرُ زَمَانِهِ , المُحَدِّثُ أَبُو الفَتْحِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الحُسَيْنِ البُستِيُّ

(330 تَقْدِيراً ـ 400 هـ)

قصيدة "عنوان الحِكم" أو "نونية البُستي" للشاعر الأديب أبي الفتح علي بن محمد بن الحسين البستي (ت 400هـ) من القصائد المشهورة الذائعة الصيت في شعر الحكمة والأمثال السائرة

وقد قال عنها الشيخ: عبد الفتاح أبو غدة (ت 1417هـ) في مقدمة تحقيقه لها وتعليقه عليها: 

"إنها خير ما يحفظه الآباء للأبناء، والمعلم للمتعلم، لوضوح معانيها وجزالة ألفاظها، واستقلال أبياتها؛ حتى صار كل بيت منها مثلا بذاته.... وقد ضمنها (ناظمها) النصائح الغالية، والمواعظ البليغة الواعية، فهي لآلئ منثورة، وجواهر منظومة ... فهي من خير الشعر الحِكمي وأبلغه".  




زيادة المرء في دنياه نقصان = وربحه غير محض الخير خسران

وكل وجدان حظ لاثبات له = فإن معناه في التحقيق فقدان

يا عامرا لخراب الدار مجتهدا = بالله هل لخراب العمر عمران

ويا حريصا على الأموال تجمعها = أنسيت أن سرور المال أحزان

زع الفؤاد عن الدنيا وزينتها = فصفوها كدر والوصل هجران

وأرع سمعك أمثالا أفصلها = كما يفصل ياقوت ومرجان

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم = فطالما استعبد الإنسان إحسان

يا خادم الجسم كم تشقى بخدمته = أتطلب الربح فيما فيه خسران

أقبل على النفس واستكمل فضائلها = فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان

وإن أساء مسيء فليكن لك في = عروض زلته صفح وغفران

وكن على الدهر معوانا لذى = أمل يرجو نداك فإن الحر معوان

واشدد يديك بحبل الله معتصما = فإنه الركن إن خانتك أركان

من يتق الله يحمد في عواقبه= ويكفه شر من عزوا ومن هانوا

من استعان بغير الله في طلب = فإن ناصره عجز وخذلان

من كان للخير مناعا فليس له = على الحقيقة إخوان وأخدان

من جاد بالمال مال الناس قاطبة = إليه والمال للإنسان فتان

من سالم الناس يسلم من غوائلهم = وعاش وهو قرير العين

من كان للعقل سلطان عليه غدا = وما على نفسه للحرص سلطان

من مد طرفا لفرط الجهل نحو هوى = أغضى على الحق يوما وهو خزيان

من عاشر الناس لاقى منهم نصبا = لأن سوسهم بغى وعدوان

ومن يفتش عن الإخوان يقلهم = فجل إخوان هذا العصر خوان

من استشار صروف الدهر قام له = على حقيقة طبع الدهر برهان

من يزرع الشر يحصد في عواقبه = ندامة ولحصد الزرع إبان

من استنام إلى الأشرار نام وفي = قميصه منهم صل وثعبان

كن ريق البشر إن الحر همته = صحيفة وعليها البشر عن

ورافق الرفق في كل الأمور فلم = يندم رفيق ولم يذممه إنسان

ولا يغرنك حظ جره خرق فالخرق = هدم ورفق المرء بنيان

أحسن إذا كان إمكان ومقدرة = فلن يدوم على الإحسان إمكان

فالروض يزدان بالأنوار فاغمة = والحر بالعدل والإحسان يزدان

صن حر وجهك لا تهتك غلالته = فكل حر لحر الوجه صوان

فإن لقيت عدوا فألقه أبدا = والوجه بالبشر والإشراق غضان

دع التكاسل في الخيرات تطلبها = فليس يسعد بالخيرات كسلان

لا ظل للمرء يعرى من تقى ونهى = وإن أظلته أوراق وأفنان

والناس أعوان من والته دولته = وهم عليه إذا عادته أعوان

سحبان من غير مال باقل حصر = وباقل في ثراء المال سحبان

لا تودع السر وشاء يبوح به = فما رعى غنما في الدو سرحان

لا تحسب الناس طبعا واحدا فلهم = غرائز لست تحصيهن ألوان

ما كل ماء كصداء لو ارده نعم = ولا كل نبت فهو سعدان

لا تخدشن بمطل وجه عارفة = فالبر يخدشه مطل وليان

لا تستشر غير ندب حازم يقظ = قد استوى فيه إسرار وإعلان

فللتدابير فرسان إذا ركضوا فيها = أبروا كما للحرب فرسان

وللأمور مواقيت مقدرة = وكل أمر له حد وميزان

فلا تكن عجلا بالأمر تطلبه = فليس يحمد قبل النضج بحران

كفى من العيش ما قد سد من عوز = ففيه للحر إن حققت غنيان

وذو القناعة راض من معيشته = وصاحب الحرص إن أثرى فغضبان !

حسب الفتى عقله خلا يعاشره = إذا تحاماه إخوان وخلان

هما رضيعا لبان حكمة وتقى = وساكنا وطن : مال وطغيان

إذا نبا بكريم موطن فله = وراءه في بسيط الأرض أوطان

يا ظالما فرحا بالعز ساعده = إن كنت في سنة فالدهر يقظان

ما استمرأ الظلم لو أنصفت آكله = وهل يلذ مذاق المرء خطبان

يا أيها العالم المرضي سيرته = أبشر فأنت بغير الماء ريان

ويا أخا الجهل لو أصبحت في لجج = فأنت ما بينها لا شك ظمان

لا تحسبن سرورا دائما أبدا = من سره زمن ساءته أزمان

إذا جفاك خليل كنت تألفه = فاطلب سواه فكل الناس إخوان

وإن نبت بك أوطان نشأت بها = فارحل فكل بلاد الله أوطان

يا رافلا في الشباب الرحب منتشيا = من كأسه هل أصاب الرشد نشوان

لا تغترر بشباب رائق نضر = فكم تقدم قبل الشيب شبان

ويا أخا الشيب لو ناصحت نفسك لم = يكن لمثلك في اللذات إمعان

هب الشبيبة تبدي عذر صاحبها = ما عذر أشيب يستهويه شيطان

كل الذنوب فإن الله يغفرها = إن شيع المرء إخلاص وإيمان

وكل كسر فإن الدين يجبره = وما لكسر قناة الدين جبران

خذها سوائر أمثال مهذبة= فيها لمن يبتغي التبيان تبيان

ما ضر حسانها والطبع صائغها = أن لم يصغها قريع الشعر حسان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق